للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أثر الدعوة الفردية على المدعوين]

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.

أيها الأحبة في الله! إن الشريط والكتاب له أثرٌ بالغ، ولكن الشريط يخاطب حاسة السمع، والكتاب يخاطب العقل بواسطة البصر، وأما الدعوة الفردية فهي دعوة تخاطب السمع والبصر كل صفة قابلة للتوجيه والتأثر في المدعو، لذا كان لزاماً أن يتحمل كل واحدٍ منا، وكل من ينسب نفسه إلى هذه الأمة المباركة، إلى هذه الدعوة السامية وإلى هذه الأمة الوسط أن يتحمل كل واحدٍ منا مهمةً ودوراً عظيماً في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، لا تكتفي برسالة ترمي بها لصاحبك، أو بشريط يوزع في مناسبة، أو كتاب تسلمه في يده، بل إنا نسألكم، ونسأل من يعدون أنفسهم مستقيمين، أو يعنون بأمر الدعوة، ويهتمون بأمر الإسلام والمسلمين، نقول: إلى جانب كل جهودكم أين جهودكم في الدعوة الفردية؟ العلم ميراث، بل حتى أمور الدنيا ميراث، تجد أنواعاً من الصناعات والحرف يتوارثها حفيدٌ عن أب، وأبٌ عن جد، وجدٌ عن أجداده، فالدعوة تلزم من كل واحد قادر أن يجعل له تلاميذ أن يكون له أصحاب يتعاهدهم كما يتعاهد الزارع زراعته، يهتم بهم كما يهتم التاجر بثروته، يتفقدهم كما يتفقد المستثمر أمواله، تحج بهم ومعهم، تعتمر بهم ومعهم، لا تنقطع عنهم في الأسبوع المرتين والثلاث، تحضر معهم ويحضرون معك دروس العلماء وطلبة العلم، تذهب وإياهم إلى المحاضرات والحفلات والمهرجانات النافعة حتى لو اقتضى الأمر أن يكون حظك في تسوق بعض حاجاتك وبعض حاجاتهم على وجه من الذهاب سوياً وجميعاً ففي هذا خير.

أيها الأحبة! إن التربية الحقيقية هي ثمرة من ثمار الدعوة الفردية، الكلمات العامة في المناسبات العامة تخاطب خطاباً عاماً وخطاباً خاصاً، ولكنها لا تحيط بحياة المدعو، فلهذا الذي يسمع كلامك الآن يتأثر بك قليلاً، فلما يعود إلى شاشته يجلس متكئاً واضعاً رجلاً على رجل ليسمع ويرى نقيض وخلاف كل ما خطبت عنه، أو تكلمت فيه، وربما ارتكب شيئاً من الأفعال التي حذرت منها، أما الدعوة الفردية إلى جانب هذه الوسائل المباركة، فإنها تأثير على الوجدان، تأثيرٌ على الفكر الذي يتحكم بالحواس والجوارح، تأثيرٌ على القلب، تأثيرٌ على المضغة التي إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله.

إننا لا نريد النتائج بالعشرات، أو بالمئات، وإنما نسأل كل شاب من الشباب -والخطاب للشباب وللشابات، والرجال والنساء، والكبار والصغار- ونخصهم بهذا الخطاب؛ لأنهم أحرى وأدرى وأقوى على اختيار هذه الوسيلة وتطبيقها: هل جعلتم في برنامجكم، وأنتم في بداية هذا العام الهجري (١٤١٤هـ) وتستقبلون إجازة عظيمة، هل جعل كل واحد منكم في ذهنه أن يجعل محصلة عمله، وثمرة جهده في هذه الإجازة واحداً، أو اثنين من الشباب يرافقهم ويلازمهم، ويعتني بهم، ويحل مشاكلهم، ويجتهد في فهم أمورهم، وتأثيره على سلوكهم؟ ثقوا أيها الأحبة أننا وأنكم ستجدون أثراً مضاعفاً مركباً في هذا المجتمع، فكل سنة تجدون صوراً، ومزيداً من الصور المشرقة في صلاح الأمة، وهذا لا يغني عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بمعنى أنه لا يغني عن وظيفة الحسبة، وهذا لا يقلل أو يغني من الدعوة بالأساليب الجماعية كالخطب والمحاضرات، والندوات، واللقاءات، وتوزيع الكتب والأشرطة، ولا يغني عن غيره من الوسائل، ولكن الوسائل مجتمعة بدون استخدام هذه الوسيلة -أي: الدعوة الفردية- تبرز وتبين أن النتيجة ربما كانت ناقصةً، أو ليست في حجم ما نطمح إليه ونرغب فيه.

لذا أيها الأحبة أعيد وأكرر، وأزيد وأبين، وأخص الشباب بهذا ألا يكون نصيبكم من الالتزام فقط التزامكم الشخصي، وذهاب الواحد بنفسه إلى حلقة العلم منفرداً وعودته منفرداً، ذهابه إلى المكتبة منفرداً وعودته منفرداً، ذهابه إلى المعهد العملي أو المركز الصيفي منفرداً وعودته منفرداً، ذهابه إلى العمرة منفرداً وعودته منفرداً، بل لا بد أن يجعل معه واحداً أو اثنين يذهب بهم إلى حلقة العلم والمحاضرة والمعهد، والمركز، والحج والعمرة، والسفر، وزيارة العلماء وطلاب العلم.

وهنيئاً لك يوم القيامة يوم أن تقف بين يدي الله جل وعلا في وقت ذهلت فيه كل مرضعة عما أرضعت، ووضعت كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى من شدة عذاب الله وهول ما يرون، في وقت كل يفر من صاحبه، الأم تفر من ابنها، والزوج من زوجته، والأخ من أخيه، في ذلك الوقت ستجد صيامك وصيام هذا الذي أثرت عليه في موازينك، ستجد تهجدك وصلاتك، وتهجد اثنين ممن أثرت عليهم، ستجد علمك وعلم اثنين أو ثلاثة ممن أثرت عليهم، ولو صدقت النية لكان لك في نهاية كل سنة ميزانية ثرية، وميزاناً يخبرك أنك رابح حيث كانت نتيجة سعيك، ومحصلة عملك أن اهتدى على يديك في هذا العام اثنين، واهتدى على يديهم عشرين، وعلى يد العشرين آخرين، فيكون الجميع في ميزان أعمالك يوم القيامة.

أرأيتم كيف تكون الدعوة من أجَلِّ الأعمال، وأربح البضاعات، وأجّلِّ القربات، أرأيتم كيف أن الحسنات في الدعوة إلى الله تضاعف مضاعفةً مركبةً لا حصر لأرقامها إلا بعلم الله جل وعلا إذا صدقت النوايا، وصحت الوسائل.

فيا شبابنا، ويا رجالنا، ويا أبناء أمتنا، ويا معاشر المؤمنين والمؤمنات الدعوة الفردية، وهذا الخطاب يصح أن يوجه للمرأة، وللنساء، فللمرأة أن تؤثر على صاحبتها بزيارتها، واستضافتها، وحضور المحاضرات معها، إني أعجب يوم أن تجد منتقداً ينتقد فتاةً تحضر محاضرة، أو ينتقد امرأةً قد سجلت اسمها في مدرسة تحفيظ القرآن، أو في مركز صيفي يعنى بتحفيظ القرآن الكريم، لكنه ما انتقد تلك التي حظ السوق منها خمسة أيام من الأسبوع، وحظ حديقة الحيوانات يومين من الأسبوع، وحظ الملاهي اثنين أو ثلاثة، وحظ المناسبات والزيجات في الفنادق وقصور الأفراح أياماً متعددةً، تجد عجباً! لا تجد من ينكر على تلك المرأة التي ضاع ليلها ونهارها بين الحدائق والمناسبات والأسواق، ولكن يقول بعضهم: ما سمعنا بالتزام امرأة تحضر محاضرة، أوليس خيراً لها أن تسمع إذاعة القرآن الكريم فقط؟ ما سمعنا بامرأة تخرج إلى ندوة نسائية، أولا يكفيها أن تسمع الشريط بعد تسجيله؟ ما سمعنا بامرأة كذا وكذا، لكنه يعلم علم اليقين حال تلك التي خرجت لتفتن الرجال وتفتن نفسها، وأن شر البقاع عند الله أسواقها، وأن شر فتنة أنزلت على هذه الأمة المال والنساء، فلا ينكر من هذا قليل ولا كثير، لكنه ينكر على الفتاة الصالحة، وعلى المرأة المسلمة المتدينة، ينكر عليها اهتمامها بالدعوة الفردية أيضاً، فالخطاب للجميع أن يتبنى كل واحد في كل عام رجلاً أو رجلين، والفتاة تتبنى صديقةً أو صديقتين، امرأةً أو امرأتين، فتعتني ويعتني الكل بصاحبه عنايةً فائقةً، وإن النتيجة-بإذن الله- نافعة.