للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لا يجدي تعداد الأخطاء ولكن علاجها]

إن مهمتنا في الدعوة تعبيد الناس لله سبحانه وتعالى، وإن وظيفة الأنبياء هي تعبيد الناس لله {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٢٥] وليعلم كثيرٌ من الشباب أنه ما ضره ولن يضره أن يعرف الكثير أو القليل عن أخطاء الحكام والحكومات، ولن يضره أن يجهل الكثير أو القليل عن المخالفات في أي مجال من المجالات المتعلقة بفلان أو علان، ولكن سينفعه -بإذن الله- اشتغاله بالدعوة إلى الله، اشتغاله بتعبيد الفرد لله، وتعبيد الفتاة لله، اشتغاله بتطويع السمع والبصر واليد والرجل والحواس لله سبحانه وتعالى، اشتغاله بأن يعبد الله على بصيرة، أن تؤدى الصلاة كما صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يشتغل العبد بطاعة الله وتطبيق أوامر الله، ولن يضره لو جهل أخطاءً من حكام، أو حكومات، أو مسئولين، أو مؤسسات، أو هيئات.

من المؤسف أن تجد قليلاً يرى أن الدعوة هي اشتغال في المجالس بأخطاء فلان وعلان، وزلات فلان وعلان، والهيئة الفلانية، والمؤسسة الفلانية، والرجل الفلاني، والمسئول الفلاني، وقس وألحق ما شئت من الألقاب والهيئات بعد هذا، ولكن اعلم أن هذا لن يكون في موازينك يوم القيامة.

لو أخذت عشرةً أو عشرين من الشباب، وأعلمتهم باختلاس مالي، وأخبرتهم عن سرقة، وحدثتهم عن تلاعب، وأشغلتهم بأي أمر من هذه الأمور وأضرابها وأصنافها، فإن ذلك لن يؤثر في سلوكهم في حياتهم.

لكن لو امتلأت قلوبهم حباً في الجنة، وخوفاً من النار، لانعكس هذا على صلاح سلوكهم، وانعكس هذا على بيان البصيرة والطريقة الصحيحة في دعوة أولئك المخطئين أو المختلسين أو الواقعين في المنكرات، كثيرٌ من الناس يظن أن الدعوة اشتغال بأخطاء الأشخاص والهيئات والمؤسسات، وليس هذا بصحيح، الدعوة تعبيد الناس لله، الدعوة تطويع الناس لله، الدعوة تسخير النعم في طاعة الله سبحانه وتعالى، هذا هو المهم والخطير الجليل الذي سوف ينفعنا وينفكم بإذن الله.

يقول الإمام الجهبذ العلامة رحمه الله رحمةً واسعةً محمد الأمين الجَكني الشنقيطي صاحب" أضواء البيان " والكتب المعروفة، يقول لولده: يا بني إن الله لن يسألك يوم القيامة لماذا لم تشتم فرعون -هل يوجد طاغية أشد طغياناً منه، وأضل ضلالاً منه؟ - ولكن الله سيحاسبك على عرض كل مسلم زللت فيه.

وهذه مسألة مهمة.

إذاً: فالتربية والدعوة الفردية حينما نتحدث عنها هي دعوة إلى التربية بمعناها الحقيقي، دعوة إلى تعميق التقوى والمراقبة والمحاسبة والخوف من الله جل وعلا.

أما أن تعلم الشباب بما ظهر من ألوان وأصناف الفضائح والجرائم والمنكرات سواء في مجلات أجنبية، أو بما يتناقله الناس إن صدقاً، وإن كذباً، لكن ثم ماذا؟ تجد واحداً يتحدث عن تلك الفضيحة الفلانية، وهو يشعل سيجارته ويتعاطى شرب الدخان، وما أثر ذلك على سلوكه، ويرى زوجته تنظر في صور الرجال الممكيجين الذين تجملوا بالمكياج ومساحيق التجميل ولا يغار عليها، وهو يعلم ويعرف عن كثير من الأخطاء، ولكن ما أثر ذلك في سلوكه، ويرى ابنته تخرج إلى السوق ويكثر خروجها وما أثر في سلوكه، والشاب يرى هذا من أخته ولا يغار أو ينكر عليها، هذه هي الدعوة التي لا تؤثر في النفوس أي شيء؟ إذاً: الدعوة الحقيقة التخويف بالنار، والترغيب بالجنة، وتعبيد الخلق لله، وتسخير الجوارح في طاعة الله، وتعميق المراقبة لله، تعميق التقوى في النفوس بحيث إذا ازدانت، وازدهرت، وتزخرفت المعصية، وغلقت الأبواب، وحضرت الشهوة، وقام الشيطان، ودعي المسلم إلى المعصية، قال: إني أخاف الله، قال: معاذ الله، قال: {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص:١٧] هذه ثمار الدعوة.

أما أن نظن أن من أهم وأصول الدعوة بيان الأخطاء، والفضائح، والمشكلات، ونظنها وقوداً وزاداً نربي به الجيل والأمة، فثقوا -والله- وأدين لله بهذا الكلام، أقوله تعبداً: أنك لو أخذت شاباً عمره من العشرين إلى الثلاثين، وأنت تبين له فضائح الأنظمة، وأخطاء الحكام، ومصائب الهيئات، وأفعال المؤسسات والمعارف حتى بلغ الثلاثين من عمره، فلن يؤثر هذا في سلوكه شيئاً، سيمتلئ قلبه غيظاً وحقداً وكمداً وحسداً وبغضاً، ولن يؤثر في واقعه شيئاً، اللهم إلا نشر الحسد، والتشاؤم، والإحباط، وعدم التفاؤل في صلاح الأمة.

أما لو أشغلته بحفظ القرآن والسنة، وتعبيد جوارحه لله، ومراقبة الله، وفعل مرضاة الله، ولا يمنع ذلك إن علم، أو إن رأى خبراً، أو سمع أمراً، فله أن يحكم عليه، إن رأى أمراً، أو سمع به في شاشة، أو مجلة، أو جريدة، لا يعني ذلك أن يسكت عنه، ويقول: ليس من المصلحة أن نحكم عليه بأنه حلال أو حرام، إذا رأى ما يخالف شرع الله فسئل عنه، أو أراد أن يبين حكمه لنفسه، أو من حوله، يقول: هذا لا يرضي الله، هذا لا يجوز، هذا يسخط الله، هذا كبيرة من الكبائر، هذا أمر خطر، هذا يسبب الهلاك والفساد، ويقف عند هذا الحد، ولا يجعل شغله الشاغل الكلام عن الآخرين، لا يجعل شغله الشاغل في تربية من حوله، ودعوة أبنائه، أو إخوانه، هذه القضية، ففي هذا أمرٌ مهمٌ جداً جداً.

أسأل الله أن يسددنا وإياكم إلى الوسيلة والطريقة النافعة في الدعوة إلى الله، وأسأله سبحانه وتعالى أن يهدينا لمعرفة أسباب مرضاته، ولزومها، وتنجب أسباب سخطه والبعد عنها.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين.

اللهم انصر المسلمين في كل مكان، اللهم انصر المسلمين في البوسنة والهرسك، اللهم انصر المسلمين في الفلبين، وكشمير، وأركان، وطاجكستان، اللهم اجمع شملهم في أفغانستان، وانصر المجاهدين في فلسطين، وإريتريا وأرومو، وسائر البقاع يا رب العالمين.

اللهم أهلك أعداء المسلمين، اللهم عليك بالهندوس والصربيين، اللهم احصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، اللهم فرق شملهم، وشتت جمعهم، وقسم دولهم، واجعلهم غنيمةً للمسلمين يا رب العالمين.

ربنا لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا غائباً إلا رددته، ولا أسيراً إلا فككته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا متزوجاً إلا ذريةً صالحةً وهبته، ولا أيماً إلا زوجته.

اللهم اجمع شملنا وحكامنا وعلمائنا ودعاتنا على طاعتك، وسخر لنا ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأراضين بقدرتك.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.