للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[جماهير المظاهرات لا عقول لها]

إنها لمن مصائب الأمة أن تغتر الأمة وأن يقل الفهم والوعي عند رجالها إلى حدٍ أصبحوا يظنون أن هذا الرجل أصبح رافعاً لراية الجهاد حقاً بلا ريب، معاذ الله من هذا الهراء! وعياذاً بالله لعقول المسلمين أن تقع في هذا! إن الجماهير لا عقول لها، إن الغوغاء لا عقول لها، إن المظاهرات لا عقول لها، إن المسيرات لا عقول لها، واحدكم لو دخل في مظاهرةٍ أو مسيرةٍ قوامها أربعة آلاف أو خمسة آلاف ثم أصبحت هذه المسيرة تردد شعاراً معيناً، ولو كان في قلبه أن يخرج لهذه المسيرة لغرض غير هذا، فيسجد نفسه لا محالة يردد شعار المسيرة كالببغاء، ويقلد كالقردة خلف قائد المسيرة بعبارات وشعارات وألفاظ ومنطقٍ أجوف لا يدري ما معناه، هذا أمرٌ مجربٌ مشاهدٌ ملحوظٌ، ومن خبر الناس وعرفهم وحادث من يعيشون في تلك البلدان التي تطبق هذا النوع من المسيرات والمظاهرات عرف أن الغوغاء لا عقول لها، والجماهير ساذجةٌ بسيطة لا عقول لها يوم أن تخرج بالجموع وتردد ما تعقل وما لا تعقل.

وهنا اسمعوا أحسن الكلام، يقول الله جل وعلا: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ} [سبأ:٤٦] أي: الذين يرددون ويسيرون خلف الجموع لا يتفكرون أبداً، ويوم أن يقومون مثنى وفرادى ويتفكرون ما يردد في هذه المسيرة، ويردد في تلك المظاهرة يدركون ويعلمون أنهم يرددون ما لا يفقهون وما لا يعقلون، ولكن: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:١٠٣].

إن عامة الناس يوم لا ينتبهون إلى الحق بعد بيانه لا يضرون الأمة شيئاً، ذلك أن الله جل وعلا، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين في سنته أنه قد تضل أمم عن الحق قاطبة فلا غرابة: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:١٠٦] (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:١١٦] ذلك أن العبرة ليست بالجموع، وإنما العبرة بالعقول، فلا تذهب أنفسكم حسرات ولعل أحدكم باخعٌ نفسه على آثارهم أن يخرج عددٌ من المسلمين في جهلٍ وغباء يرددون شيئاً من هذه الشعارات الجوفاء، لا.

يوم أن تظهر الحجة وتبين المحجة حينئذٍ يهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة.