للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أصناف الناس في السياحة]

بعد هذه المقدمة اليسيرة ننتقل إلى طائفة قد ربطوا أمتعة السفر وتهيئوا بحجز وتذاكر إلى دول مختلفة لقضاء إجازة نهاية العام، وهم على أصناف: فمنهم من لا برنامج له في السياحة إلا رؤية شلالٍ هادر، أو بحيرة واسعة، أو جبل تكسوه الخضرة، أو برج شاهق، أو بناية تنطح السحاب، أو مدنية متقدمة، وحضارة معاصرة، فلا حظ له من سياحته إلا هذا، فذاك -أيها الأحبة- الواقع والعقل والمنطق شهود عليه أنه يخسر أكثر مما يربح، إذ أن كثيراً من البلاد التي توجد بها تلك المشاهد، وتقع بها تلك المواقع الغالب على كثير منها الإباحية والانحلال والتبرج والسفور، وسبل الخنا متاحة، وأبواب الدعارة مُشْرَعَة، والأزقة العامة مليئة بمن يتاجرون بلحوم الفساد والعياذ بالله.

وطائفة يسافرون: {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [الفتح:١١] يقولون: نسافر للسياحة، وهم أقرب إلى الوقوع في الفساد من السيل إلى منحدره، يقولون بألسنتهم: نسافر لأجل السياحة، فإذا خلوا في فنادق الدرجة الأولى أو الشقق المفروشة أو الأماكن المشهورة التي يعرفها بعضهم أو كثير منهم لم يتمالك نفسه أمام عَرض رخيص، أو فتنة بشعة، أو بين يدي مشهد يهز مشاعر الفساد في النفس، ويدعو النفس إلى الوقوع في الفاحشة، والله جل وعلا يقول: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة:١٤].

اسأل بعض الذين ذهبوا وسافروا وطاروا وارتحلوا، قل لواحد منهم -إن أعطاك لحظة من الصراحة معك-: لماذا تسافر؟ فهل قال: سافرت لأجل الزنا؟! أو قال: سافرت لأجل الخنا؟! أو قال: سافرت لأجل اللحوم العارية؟! لا، وإنما قال: سافرت للسياحة، سافرت للاستطلاع، سافرت لرؤية كذا وكذا.

ووالله لو أن عبداً من عباد الله لم يعرف عن الأبراج حرفاً، ولم يعرف عن الشلالات كلمة، ولم يعرف عن البحيرات جملة، ولم يعرف عن الجبال نثراً، ولم يعرف عن الطبيعة شعراً، ما ضره ذلك يوم يلقى الله جل وعلا، ولن يحاسبه الله أو يقال له: يا عبد الله، لماذا لم تعرف جزر هاواي، أو الشلالات الهادرة، أو البحيرات الواسعة، أو الجبال المكسية بالخضرة، ولكن: (لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فِيْمَ أفناه؟ وعن شبابه فِيْمَ أبلاه؟ وعن علمه ماذا عمل به؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفِيْمَ أنفقه؟).