للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حقيقة السياحة إلى بلاد الكفار]

السياحة تلك الكلمة التي هي نوع فسادٍ يتربع الجرائد والمجلات فلا يستطيع البعض أن ينكره! السياحة بوابة من بوابات الخنا! السياحة بوابة من بوابات الدعارة! السياحة بوابة من بوابات إثراء الاقتصاد الغربي، ودعم الدول التي تؤذي المسلمين وتضطهدهم! السياحة بوابة من بوابات تضييع أوقات المسلمين وأبنائهم! وليست السياحة بجميع جوانبها، بل السياحة في ذاك النوع الذي تحدثنا عنه آنفاً.

نعم أيها الأحبة، إن كثيراً ينفقون تحت دعوى السياحة مئات الآلاف أو عشراتها! ويقال لأحدهم: إن مرضعة صومالية ورضيعاً أشبه بالهيكل العظمي، عَظْمٌ يتربع على عظم أمه ويمص ثدياً لا قطرة من الحليب فيه، فيقال لأحدهم: ائتِ أو أعطِ أو ابذل من أموال سياحتك لهؤلاء الفقراء، فيقول: لا، هكذا قدر الله عليهم.

قد يمعن الله بالبلوى وإن عَظُمَتْ ويبتلي الله بعض القوم بالنِّعَمِ

أما يخشون الله؟! أما يخافون الله؟! أما يعلمون أن الليالي دول والدهر قُلَّب؟! {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:١٤٠] ينفق أحدهم على علبة المشروبات الغازية خمسة ريالات في الوقت الذي لا تساوي فيه ريالاً واحداً، ولو قيل له: ابذلوا قيمة هذا لمرضعاتٍ وأطفال رُضَّع قد بلغوا من الجوع والعطش مبلغاً؛ لم يبالِ ولم يكترث، وما موت البهائم على قارعة الطريق وموت إخوانه في أرض المجاعة إلا بميزان واحدٍ أو مقياس واحد.

وآخر يقال له: آلافك هذه تكفل مئات الدعاة في الفليبين، أو في القارة الخضراء في أفريقيا، الداعية يُكْفَل في السنة الواحدة بألف ومائتي ريال.

فلأَنْ تبذل هذا المال لوجه الله جل وعلا بدلاً من أن يُبْذل المال لفنادق يهودية أو شركات سياحية تعود ملكياتها إلى علمانيين فجرة أو غربيين كفرة، تجده متردداً! تهون الآلاف في الفنادق وفي البرامج السياحية لكنها صعبة شديدة عظيمة ثقيلة يوم أن يقال له: ابذل بعض هذه الآلاف لكفالة الدعاة إلى الله جل وعلا.

وهذا مثال، واللبيب بالإشارة يفهم، وعلى هذا فقِس، ولا تعييك المسائل لكثرة الشواهد والوقائع فيما تراه من واقعك.

أيها الأحبة: نقول لأولئك الذين يهمون بالسفر وقولوا لهم أنتم أيضاً: أنتم أدرى بأنفسكم: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة:١٤] وما يعرف صراحة الإنسان أحد كمعرفته صراحة نفسه: {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [القيامة:١٥] حتى لو أظهر أو أعذر أو صنع أو لفق أو جَمَّع من الأعذار والأقوال، هو أدرى بنفسه؛ هل سافر لأجل أفلام خليعة، أو لمناظر مجردة؟! هو أدرى بنفسه.

من كان هذا همه فليتذكر أن أناساً سافروا أشداء أقوياء وعادوا جنائز في التوابيت، وليتذكروا أن بعضهم سافر مبصراً وعاد كفيفاً، وبعضهم سافر نشيطاً وعاد معوقاً مشلولاً، وبعضهم عاد بكثير من الذنوب والأوزار والسيئات مريضاً، وربما كانت نهايته في سوء خاتمته وسوء مآله وغايته ولا حول ولا قوة إلا بالله! وليتذكر أن عليه من الشهود ما لا يحصى، فأرض وطئها تشهد عليه، وملائكة كرام كاتبون يشهدون عليه، وجارحة عصى الله بها تشهد عليه، والخلق شهود عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم شاهد عليه: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:٤١] وقبل ذلك وبعده شاهد عليه مَن لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض والسماء {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:١٩] شاهد عليه مَن يعلم كل دقيق وجليل، من يعلم ويسمع دبيب النملة السوداء، في الليلة الظلماء، على الصخرة الصماء.

قولوا هذا لمن علمتموه تعود السفر للتبذير وصرف المال هناك بلا فائدة، وبلا غاية وحاجة.