للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السياحة طريق إلى فاحشة الزنا]

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك.

أيها الأحبة في الله: يقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [البقرة:٢٠٨].

معاشر المؤمنين: إن السياحة قد تكون بداية للرذيلة عند بعض الناس وطائفة منهم، وكم جاء في هذا المسجد وتحت هذا المنبر وعند ذلك الباب شباب يقولون: سافرنا لأجل السياحة فعدنا بفاحشة الزنا، والواحد منهم لو قيل له في البداية: يا عبد الله! لا تسافر إلى بلادٍ الدعارةُ فيها مُصَرَّحة، والخنا أبوابه مفتوحة، ودعاة الرذيلة على أبوابه في كل طريق، لا تسافر وأنت شاب غرير مسكين بين هوى مطاع، وشح متبع، ونفس أمارة، وشيطان يوسوس؛ لقال: معاذ الله، ما ذهبت لأجل الزنا ولا يزال الشيطان به لحظة لحظة حتى يعود وقد سجل في عداد الزناة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فيا عبد الله: اتقِ الله جل وعلا، فإن كان قد مضى مثلها فالحمد لله على ما ستر وغفر، وأمامك امتحان فيما بقي، وإن كانت الأولى فاحرص على صفاء صفحتك، فاحرص على صفاء سجلك، وليكن خالياً من فاحشة الزنا.

أحد الشباب لما حضر موعد زفافه، وفي ليلة زواجه الأول بكى! فقيل: ما يبكيك؟ فقال: أبكي فرحاً وشكراً، وحمداً وثناءً على الله أنني أدخل بزوجتي الليلة ولم أعرف الحرام لحظة.

تلكم الشهادة، وتلكم العفة، وتلكم الطهارة يا عباد الله.

ومن العجب أنك قد تجد بعضهم من عصمة الله له أنه لا يقدر على السفر، فيأتيه من يقول: سافر معنا، فالتذكرة مجاناً، والسكنى على حسابنا، والتنقلات هدية منا، فما يزالون به حتى يضاف في عدادهم ولا حول ولا قوة إلا بالله! فيا عبد الله: ما دمت نظيفاً فاحرص على نظافتك، وما دمت نزيهاً فاحرص على نزاهتك، وما دمت عفيفاً فاحفظ عفتك، وليعلم أولئك الذين يدعون أنها نوع ذكاء أو شطارة كما يسمونها، أو تدبير بصمت، ليعلموا أنهم بهذا يفتحون الشر على بيوتهم، قال الشافعي:

من يزنِ يُزْنَ به ولو بجداره إن كنتَ يا هذا لبيباً فافهمِ

إن الزنا دَين فإن أقرضته كان الوفا من أهل بيتك فاعلمِ

من قد زنا يوماً بألفي درهم في بيته يُزْنى بغير الدرهمِ

يقول صلى الله عليه وسلم: (احفظ الله يحفظك) أتريد حفظ بيتك؟ احفظ نفسك (احفظ الله يحفظك) ابنِ أسواراً منيعة من التقوى ومراقبة الله بينك وبين حدود الله، يُبْنَ لبيتك ولأهلك أسوارٌ منيعة فلا يتسلق مجرم أو صاحب فاحشة على أهلك وبيتك.

ثم إن طائفة من الشباب لا ينظرون إلا إلى ذات الفاحشة؛ فوالله لو استنطقت هذه البقعة تحت المنبر لو أراد الله أن يُنْطِقها لنطقت؛ أن شاباً جاء متألماً من ارتكاب فاحشة الزنا، وكان الأمر أن سافر إلى بلاد ليست بعيدة فكلَّمه مَن كلَّمه من داخل الفندق وعَرَض عليه فأرسل له والعياذ بالله، ثم إنها لذة وهمية في لحظة قصيرة، ثم عاد يضرب أخماس أسداس، ويعض أصابع الندم، يعيش قلقاً وشروداً وشتاتاً في الذهن والتفكير مع ما يتبع ذلك من قسوة القلب، والوحشة مع الرب، والخوف من الخلق، وتكدر الأحوال عليه، وتقلب أموره بين يديه بسبب تلك المعصية، وإن لم يتُب فحسابه عند الله عسير، قال صلى الله عليه وسلم: (ومررت بأناس -ليلة أسري به صلى الله عليه وسلم- عراة، ويُجلدون بسياط من نار، وتحت أرجلهم لهب يمس فروجهم، فإذا علا الذهب ضَوْضَوا -أي: صاحوا وارتفع صياحهم- فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: هؤلاء الزناة، وأقوام يشربون من عصارة أهل النار، من ردغة الخبال وهم أهل الخمر والمسكرات).

وبعد هذا وقبله شاب يُغَرَّر به، فيزني بفتاة في لحظة غاب فيها عقله، وحضر شيطانه، وغَرَّر به زملاؤه، ثم واقع فتاةً فحمل فيروس الإيدز، والإيدز لا يظهر ظهوراً واضحاً فيمن يصاب به إلا بعد ست أو سبع سنوات، فلربما حمل الفيروس وعاد إلى بلاده، وحيّاه من حياه، فخطب منهم وزوجوه، فنقل الفيروس إلى فتاة عفيفة شريفة، فأصيبت بالإيدز، ونقل الفيروس إلى جنينه، فيصاب به كذلك، وصدق الله العظيم حيث قال: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:٣٢].

ثم أولئك الذين قد اشتعلت غرائز الجنس في أبدانهم ما الذي يردهم أن يتزوجوا؟! إن وجدوا ما يريدون ويرغبون من البنات في مواصفاتهم، والبعض قد ضيعه وقاده إلى الشهوة والفاحشة شدة تفصيله وشروطه في مواصفات زوجته، فتأخر عن الحلال وأقدم وأسرع في الحرام، فما الذي يضيره لو تزوج أرملة أو مطلقة أو امرأة أكبر منه سناً فإنه ينظر نفسه يوم أن يقضي وطره وينتهي مِمَّا في نفسه، ولكن مجتمعٌ بلسان سليط وأبصارٍ حادة يوم أن يتزوج شابٌّ بكرٌ فتاةً أرملة أو فتاةً مطلقة، ومجتمعٌ سليطٌ يوم أن يتزوج شابٌّ بثانية أو ثالثة أو رابعة، ومجتمعٌ سليطٌ يوم أن يتزوج شابٌ بامرأة أكبر منه ولو بعشرين سنة، ولكنه مجتمع جبان يوم أن يُعْلَم أن فلاناً قد سافر وزنا، أو سافر وتكرر سفره لغير تجارة أو علم أو دعوة أو فائدة، فعند ذلك يُغَضُّ الطرف وتَصْمُتُ الألسنة! مصيبة من أعظم المصائب! وإن أولئك الذين تساهلوا بالزنا تحت دعوى السياحة، موضة الشباب شرق آسيا، موضة الشباب غرب أفريقيا، موضة الشباب البلاد الفلانية!