للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شروط لا إله إلا الله]

إن (لا إله إلا الله) شأنها عظيم، وخطرها وأهميتها في حياة المسلمين عظيمة لو أنهم وعوا هذه الكلمة ومعناها وأبعادها، ولكن افهموا واعلموا وأخبروا من وراءكم أيها الأحبة، يقول الشيخ/ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ما معناه: قد يقول قائل: إذا نطق العبد بهذه الكلمة نال كل هذه الفضائل، ونجا من العذاب، وليس له بعد ذلك من خطر يخافه أو يهابه، الجواب فيما يقوله الشيخ: لا، إن هذه الكلمة من يقولها لابد أن يأتي بشروطها وحقوقها وواجباتها، إذ لولا ذلك لردَّدها كل مردد، وتلفظ بها كل متلفظ، ولقال: يكفيني هذه الكلمة.

مع تركه ما أوجب الله، وارتكابه ما يخرجه من الملة، ألا وإن لا إله إلا الله لها شروط وحقوق وواجبات، ولمخالفتها تبعات.

ومن شروطها حتى ينال الإنسان فضلها: ألا يرتكب ما ينقضها، وألا يقع فيما يخالفها، وألا يقصر في حقوقها وواجباتها، أتظنون أن لا إله إلا الله تنفع طغاة العلمانية الذين يعتقدون عدم صلاحية الدين للاقتصاد والإعلام، والاجتماع والتربية! أتظنون أن لا إله إلا الله تنفع طغاة التغريب والضلالة الذين يريدون أن يحصروا الدين في المساجد والمحاريب والأقبية والخلوات، ويريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا؟ أتظنون أن لا إله إلا الله تنفع أولئك الذين يريدون أن يدخلوا في رءوس الأمة ألا مجال للدين إلا في التسبيح فقط، وما سوى ذلك فليس للدين فيه أمر ولا نهي؟! إن لا إله إلا الله تنفع من عمل بها، ومن علمها وتيقن أنها في شئون حياته كلها، نعم وإن ارتكب شيئاً من المعاصي، أو وقع في شيء من الكبائر، فإن أهل السنة والجماعة مخالفون لمذهب الخوارج والمعتزلة الوعيدية الذين منهم من يكفر بارتكاب الكبيرة، ومنهم من يجعل صاحب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين، ليس مخلداً في النار ولكن من أهل الجنة، نعم إن أهل السنة والجماعة يرون أن من قال: لا إله إلا الله وارتكب ذنباً يقر أنه ذنب، ووقع في خطيئة يقر أنها خطيئة، ويعترف أنه في تقصير، فذلك شأنه شأن المذنبين في الصغائر والكبائر.

أما الذين يقولون: لا إله إلا الله وهم يقررون تقريراً، ويعتقدون اعتقاداً، ويدينون لطواغيتهم ديانةً ألا دخل للدين إلا في الأحوال الشخصية؛ في زواج وطلاق، وفي محاريب وتسابيح، وما سوى ذلك فلا علاقة للا إله إلا الله بها، إن ذلك تحجير للكون كله في زاوية ضيقة، ذلك تحجير لأمر عظيم في مجال ضيق، لذا فلنعلم هذه الكلمة وخطورتها وشأنها.

(لا إله إلا الله) نفي وإثبات، (لا إله) لا يوجد إله، لا يتصور إله إلا إله واحد هو الله وحده الذي يستحق العبادة.

(لا إله إلا الله) نفي وإثبات، نفي لهذه الألوهية ونفي لهذه العبودية عن كل موجود وكل مدع إلا لمن يستحقها وهو الواحد الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، الذي تألهه القلوب، وتفزع إليه، الذي تتضرع إليه، الذي تنكسر إليه، لا إله إلا الله الذي تألهه النفوس، البهائم تجأر إلى ربها، والصغار يجأرون إلى ربهم، وكل ما في الكون ساجد مطمئن مسلم لله عز وجل.

(لا إله إلا الله) شأنها عظيم أيها الأحبة! وشروطها: أن يعلم العبد هذه الكلمة: ((فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)) [محمد:١٩]، شروط لا إله إلا الله أن تعلم بها علم اليقين: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّه وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:١٩] {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:١٨] تأكيد، وإثبات وبيان، وتوضيح وشهادة، قل أي شيء أكبر شهادة من الله؟ أي شيء أعظم من شهادة الله على وحدانيته؟ ثم رضي شهادة الملائكة وشهادة أولي العلم.

ومن شروطها: القبول المنافي للرد، فمن قال: لا إله إلا الله فليقبل شرع الله، وليذعن للا إله إلا الله، وليسلم لأمر الله، من كان يقول: أنا أقول لا إله إلا الله، وأقر بلا إله إلا الله، فإذا قيل له: إن الله حكم بهذا.

عليه أن يقول: سمعنا وأطعنا، من يقول: لا إله إلا الله ويريد ثوابها، إذا خوف بالله وبأمره، وبنبيه صلى الله عليه وسلم وبزجره فليقل: سمعنا وأطعنا، ألا إن قبولها أمر لابد منه، فمن ادعاها ورد مقتضاها فذلك متناقض في نفسه: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:٦٥].

ومن شروط لا إله إلا الله: الإخلاص، وضده الرياء، فيجب أن تخلص لهذه الكلمة، أن تقولها حباً في الله وطاعة لله: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:٥]، إخلاص بمحبة: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:٣١].

ولابد لهذه الكلمة من صدق يمنع من الاعتراض: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:١١٩] ومن حقق ذلك في لا إله إلا الله وجد لذة الانقياد لها، يقول الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:٣٦].