للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[آثار لا إله إلا الله في الدنيا]

إن لا إله إلا الله -أيها الأحبة! - لابد أن يكون لها أثر في حياتنا، فمن آثارها: أن يتحرر الإنسان من كل طاغوت، والطواغيت: من يعبدون بتجاوز وتعد من دون الله عز وجل، وحسب مؤمن يعظم لا إله إلا الله فيشعر أنه عبد لله، لا تنحني هامته إلا لله وحده، ولا يطأطئ رأسه وأنفه إلا لله وحده، ولا يمرغ أنفه وجبينه إلا لله وحده، وبدون ذلك ولغير ذلك فإن إراقة الدماء أهون عليه من أن يسجد لغير الله، أو أن ينقاد لغير الله عز وجل، هذه آثار لا إله إلا الله، يقولها من لم يدرس في الجامعات، ولم يؤلف المطولات، ولم يقرأ في المختصرات، صحابي من الصحابة لما قابل قائداً من قواد المشركين، يجيبه على سؤاله الذي قال فيه: ما الذي جاء بكم؟ فقال: [إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فإن أجبتم لكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن أبيتم فالجزية عن يد وأنتم صاغرون، وإن أبيتم ناجزناكم بأقوام يحبون الموت كما تحبون الحياة] إن هذا من مقتضى كلمة لا إله إلا الله، أن يتحرر الإنسان فيها، أن يجد عزة وغنى: (استغن عمن شئت تكن نظيره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره، وأحسن إلى من شئت تكن أميره) فلا إله إلا الله تغنيك عن كل ما سوى الله عز وجل، ألا لو أننا تعلقنا بها، وتوكلنا بمعناها على الله حق التوكل لرزقنا كما يرزق الطير تغدوا خماصاً وتروح بطاناً.

أيها الأحبة: ومن آثار لا إله إلا الله: أنها تحرر هذه النفوس فيما جبلت عليه من غرائز جبلية، جبلت النفس على حب المال، وجبلت النفس على حب الشهوة، وجبلت النفس على كثير من الغرائز، لكن من تعلق بلا إله إلا الله واستحكمت في حياته فإنها تجعله منفقاً لهذا المال الذي يتقاتل الناس على جمعه، تجعله متعففاً عن هذه الشهوة التي يحتال الكثير من أجل الوصول إليها، تجعله سامياً يرمق ما عند الله في وقت يتنافس فيه الناس على الريال والريالين، إن لا إله إلا الله تجعل أماني المسلم أماني عظيمة، ولذلك لما قال أحد السلاطين في عهد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إنك تريد ملكي وما عندي وسلطاني، فقال شيخ الإسلام ابن تيمية: أنا أريد ملكك؟! إن من يطمع في جنة عرضها السماوات والأرض ليس له حاجة فيما عندك.

المسلم الذي يرغب جنة عرضها السماوات والأرض فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، لا يفكر أن يطمع في أشياء دنيوية، أو أمور سخيفة تافهة، فالعاقل -أيها الأحبة! - يدرك أن لا إله إلا الله تحرر النفس، وتجعل الإنسان يرثي لحال هؤلاء الذين يتقاطعون ويتدابرون، ويكذبون ويتشاتمون، ويتهاجرون ويتسابون من أجل مصالح الدنيا، لأنه إن رآهم يتقاتلون على ريال أو ريالين أو مليون أو أكثر فإنه يرغب فيما عند الله عز وجل، إن هذا أيضاً مما تقتضيه لا إله إلا الله ومن آثارها.

فواجبنا أيها الأحبة أن نعتني بها، وأن ندركها تمام الإدراك، وأن نكون دعاة إليها، ندعو إلى لا إله إلا الله حتى آخر لحظة في حياتنا، وحتى آخر لحظة في حياة من ندعوهم، أما آخر لحظة في حياة الداعي: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي} [البقرة:١٣٣] هو الآن يعالج سكرات الموت، ويدعو إلى لا إله إلا الله، فيقول: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي} [البقرة:١٣٣] فيقولون: {نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة:١٣٣].

وندعو إلى لا إله إلا الله حتى آخر لحظة في حياة من ندعوهم: لما قام صلى الله عليه وسلم يدعو عمه أبا طالب، وهو يعلم أنه في آخر اللحظات، لا يستطيع أبو طالب أن يحمل سيفاً للجهاد، ولا أن يقوم ليركع، ولا أن ينحني ليسجد، ولا أن يمد لينفق، ولكنه يدعو إليها حتى ولو في النزع الأخير: (يا عم! قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله) فيقول أبو جهل وصناديد قريش الذين كانوا من حوله: أتترك دين الآباء والأجداد؟ والنبي يدعوه إليها وأولئك يصدونه عنها حتى مات وهو يقول: على ملة عبد المطلب.

ندعوهم حتى آخر لحظة من حياتهم، خرج صلى الله عليه وسلم يزور يهودياً وولده مريض، فلما جاءه وجد الشاب المريض ينازع في سكرات الموت، فقال صلى الله عليه وسلم وهو ينظر إلى ولد جاره اليهودي: (يا فتى! قل: لا إله إلا الله -دعوة حتى في النزع الأخير من الحياة- فينظر الصبي وعينه تغرغر بالدمع إلى والده، فيقول أبوه: أطع أبا القاسم، فيقول الصبي: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فتفيض روحه، فيخرج النبي صلى الله عليه وسلم يكبر يتهلل وجهه وهو يقول: الحمد الله الذي أنقذه بي من النار).

ندعو إلى لا إله إلا الله غير المسلمين لكي يعرفوا حلاوة الإيمان، ولننقلهم من السجود والخضوع والتعظيم لغير الله، من العبودية للأحجار والأصنام وغيرها إلى شرف التوحيد والوحدانية لله، وندعو المسلمين أنفسهم الذين ينطقون لا إله إلا الله أن يقوموا بحقها وواجبها، ندعو من يقول: لا إله إلا الله أن تحركه لا إله إلا الله لتسابق خطوه نفسه في صلاة الفجر ليكون أول الصافين مع الجماعة، ندعو الناطقين بلا إله إلا الله أن يكفوا عن أكل الحرام، ندعو الناطقين بلا إله إلا الله ألا يعطوا ولا يأخذوا الرشوة والربا، ندعو الناطقين بلا إله إلا الله أن يقوموا بهذا الواجب بسمعهم وأبصارهم وفروجهم وبطونهم وكل ما آتاهم الله.

أسأل الله أن يجعل قولي وقولكم حجة لنا لا حجة علينا.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.