للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[وصايا لتائب]

السؤال

قد منَّ الله علي بالهداية، ولكن شباب الحي والمدرسة لم يتركوني في حالي، وإني أقول لك يا حضرة الشيخ: أريد منك بعض النصائح التي تبعدني عن مثل هؤلاء؟ وما هي شروط لا إله إلا الله (تذكيراً ببعضها)؟

الجواب

لا يظن الإنسان أن الهداية إذا نال العبد شرفها وكرامة منزلتها أنه سيجدها ماءً عذباً زلالاً من دون شيء من الابتلاء قال تعالى: {ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:١ - ٢].

وقال: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الأنعام:١٠].

وقال: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} [فصلت:٤٣].

وقال: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [المطففين:٢٩].

يا أخي الحبيب: ليس غريباً أن تجد أهل الشر والمنكر والباطل والمعاصي يسخرون، لأنهم يحسدونك على ما أنت عليه من الهداية، ويرون أنك بعد أن كنت معهم في حضيض معاصيهم ودنس منكراتهم قد ارتفعت عليهم، فأنت كنت كمن يمشي معهم حافياً في الشوك والشمس والحر والهاجرة، وإذا بك فجأة تركب أطيب المراكب وألينها وأعلاها وأشرفها، فحسدوك فيما أنت فيه، ولكن المسلم ينظر إلى هؤلاء بالرحمة والعطف: {كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [النساء:٩٤] لأن بعض الذين يهتدون يرجع ينظر إلى هؤلاء بعين العداوة والتصدي والحقد والتدبير، لا.

كما من الله عليك بالهداية فابذل لهم من أسباب الهداية إذا تمكنت من الصلاح، وتمكنت من الاستقامة، فإن شئت ألا يفوتك أجر هدايتهم، أو أحببت أن تبادر في دعوتهم فاستعن بالله ثم بمن يعينك على ذلك ممن ثبتت قدمه في الدعوة والعلم.

ونوصي هذا الأخ حديث العهد بالتوبة والاستقامة: أولاً: أن يطهر نفسه من كل معصية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة:٢٠٨] لأن بعض الشباب هداهم الله يتوبون إلا من شريطين وثلاثة، ويستقيمون إلا من أربع مجلات، ويرجعون إلا من ثلاث نقاط، فتجد الواحد توباته كأنها شركات تقسيط، أو ربما عنده شيء يقبله وشيء يرفضه، والله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة:٢٠٨] ما دام أن الله من عليك بالهداية لا تدع شيئاً تحت السرير أو فوق النافذة، أو عند الدولاب أو في شنطة السيارة، كل ما عندك مما يدعو إلى معصية الله أخرجه وأتلفه ولا تبق من ذلك شيئاً.

الأمر الثاني: التمس البديل عن أصحابك، والبديل عن سماعك، والبديل عن مطالعاتك، فالإنسان بطبعة اجتماعي، يحب الاختلاط والحديث والأنس والألفة، فإن كنت من قبل مختلطاً بهؤلاء الذين يعصون الله ويعينونك على المعصية فعليك بثلة وصحبة طيبة، واذهب وابحث، سلمان الفارسي تعلمون قصة إسلامه بحثاً عمن يهديه ويدله إلى الاستقامة والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، بل إني أعرف شاباً ابتلي بقرناء سوء في مدينة تبعد عن الرياض حوالي ستمائة كيلو متر فنقل دراسته، ونقل سكنه خوفاً على استقامته والتزامه، لما فعلاً أحس أنهم قد أحاطوا به، والسبب أن قرناء السوء في تلك المنطقة قد أخذوا عليه مستمسكاً يهددونه ويفضحونه به، فلم يجد بداً للمحافظة على استقامته والسلامة من فضائحهم إلا أن يهاجر فاراً بتوبته واستقامته معرضاً عن كل ما يغرونه أو يهددونه به.

البديل الآخر: ألا وهو المطالعة والقراءة، تجد بعض الشباب في ضلاله؛ مجلات وأشرطة وملاهي إلى غير ذلك من المطالعات السيئة والرديئة، فأبدل هذا بمادة نافعة، كتب، طلب علم، عناية بالقرآن، اشتغال بالسنة، سماع المحاضرات، الخطب، الفوائد، القصائد، النثر والشعر الطيب النافع، هذا فيه خير بإذن الله.

أما ما يتعلق بما مر ذكره في المحاضرة من شروط لا إله إلا الله فهي: العلم المنافي للجهل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:١٩] {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ} [آل عمران:١٨].

اليقين المنافي للشك.

المحبة: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:٣١].

الإخلاص: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:٥].

الانقياد: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:٦٥] وهي واضحة وجلية.

وأوصي الشباب بالعناية برسائل الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب الموجزة المختصرة الطيبة التي تبني أصول الإيمان، مثل: كتاب التوحيد، والمسائل الثلاث، وكشف الشبهات إلى غير ذلك.