للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[درس للدعاة من قصة موسى عليه السلام]

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه وعن الند وعن المثيل وعن النظير {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١] كل ذلك تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.

عباد الله: إن المتأمل لقصة موسى مع فرعون، إن المتأمل لقصة نبي الله الكليم مع فرعون الطاغية الجبار الأثيم، ليرى فيها دروساً ومواعظ وعبراً للدعاة، الذين يتأملون ويستذكرون ويعلمون أن الله جل وعلا يوم أن شرع الشرائع، وأنزل الكتب، وأرسل الرسل، وشرف العباد بالدين الحنيف، وأكرمهم بالدعوة إليه, والمجاهدة والصبر على الأذى فيه، يعلمون أن في هذه القصة أملاً يرتجى، وبشارة عظيمة للذين يدعون إلى الله على بصيرة، ذلك أن الله جل وعلا يسخر الأمور ويدبرها حينما يجد دعاة صادقين ربانيين متجردين عن المطامع والأهواء والشهوات.

وإننا لنعجب عجباً عظيماً يوم أن كان الطاغية فرعون يبحث عن أبناء بني إسرائيل يقتلهم، وتقدر مشيئة الله جل وعلا أن ينشأ النبي في قعر بيت فرعون، أعجوبةٌ عظيمةٌ ذلك الذي رآه فرعون في منامه، وسمع به، وترددت الأقاويل في زمانه أن ذلك الغلام الذي سيخرج، وسيكون على يده هلاك ملك مصر وملكها، ينشأ ذلك الغلام في بيت فرعون، ويتغذى في بيته، ويترعرع في داره، ويستظل بسماء قصره، ومع ذلك يكرمه الله جل وعلا بالنبوة والرسالة، وهل بعد حفظ الله حفظ؟ يوم أن يوحي إلى أمه {أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ} [طه:٣٩] أي شيء بعد الهلاك في البحار، بعد الأمواج المتلاطمة، ومع ذلك يحفظه الله جل وعلا بهذا التابوت، ويذهب به بقدر الله ومشيئته إلى بيت الطاغية، ويتربى وينشأ فيه.

وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالمخاوف كلهن أمانُ

اتق الله يا بن آدم، ونم في أي مكان شئت بين السماء والأرض، من يحفظه الله فلن يتعرض له أحد بسوء.

هذه معجزةٌ ربانيةٌ من الله، ودرسٌ للدعاة، إذ مهما عظم الباطل، وعلا هديره، فإن الله جل وعلا لا بد أن يجعل هذا الباطل جفاء، ويبقى ما ينفع الناس، فالله جل وعلا قد ضرب ذلك مثلاً وعبرةً للدعاة المؤمنين الصادقين ألا يخافوا، وألا يهابوا من كيد الجبابرة والطواغيت، وأنتم الآن يا عباد الله ترون في معظم أصقاع المعمورة أن المسلمين يعذبون، وأن المسلمين يقتلون، وأن الدعاة يعذبون ويشردون وينفون ويطردون، ومع ذلك فإن الله جل وعلا ناصر دينه، أما كيد البشر، فهو كيد ضعيف لا يستطيعون بجميع ما أوتوا أن يصلوا إلى قلب مؤمن في إيمانه ويقينه، يقول أحدهم يوم أن عذبوه وجلدوه، لما أن أكرهوه على الفواحش، وأرادوا به كل سوء ومكروه، لا لشيء إلا لأنه دعا إلى الله على بصيرة، قال:

تالله ما الدعوات تهزم بالأذى أبداً وفي التاريخ برُّ يميني

ضع في يدي القيد ألهب أضلعي بالسوط ضع عنقي على السكينِ

لن تستطيع حصار فكري ساعةً أو رد إيماني وصد يقيني

فالنور في قلبي وقلبي في يدي ربي وربي حافظي ومعيني

إن من استقام على دينٍ صحيح ودعوة إلى الله صادقة متجردة عن الأهواء والمطامع والشهوات، لا بد أن ينصره الله جل وعلا كما نصر موسى، ونصر الأنبياء، وأهلك أعداء الأنبياء بالريح العقيم، والضفادع والطوفان، والجراد والقمل والدم، آيات الله جل وعلا وجنوده لا يعلمها إلا هو {إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل:٤٠] ولكن أين المؤمنون؟ أين الدعاة الصادقون الذين من أجلهم تخرق العادات، وتتخلف القوانين ويحقق الله على أيديهم النصر العظيم؟ نسأل الله جل وعلا أن يكون إشراق نور الإسلام من جديد في أرض المعمورة من قلب هذه البلاد التي أشرقت فيها أنوار النبوة، ولمعت فيها بروق تجديد العقيدة، نسأل الله جل وعلا أن يعود لها هذا العز دائماً أبداً، وأن يحفظها من كل سوء ومكروه.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بولاة أمورنا سوءاً، وأراد بعلمائنا فتنةً، وأراد بشبابنا ضلالاً، فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه، وأدر عليه دائرة السوء.

ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا واعف عنا واغفر لنا وارحمنا.

اللهم اختم بالسعادة آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى جناتك مصيرنا ومآلنا، اللهم أحينا على الإسلام سعداء، وتوفنا على التوحيد شهداء، واحشرنا في زمرة النبيين والصديقين والشهداء.

اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا حيران إلا دللته، ولا مأسوراً إلا فككت أسره، ولا أيماً إلا زوجته، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم وفق إمام المسلمين لما تحب وترضى، اللهم قرب له من علمت به خيراً له ولأمته، وأبعد واطرد عنه من علمت به شراً له ولأمته، اللهم وفقنا لما تحب وترضى.

ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين.

اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].

اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبيك محمدٍ صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين! اللهم اغفر لموتى المسلمين، اللهم اغفر لموتى المسلمين، اللهم اغفر لموتى المسلمين، اللهم وسع لهم في قبورهم، اللهم افسح لهم مد أبصارهم، اللهم افتح لهم أبواباً إلى الجنان والنعيم.

إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.