للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قدوم إخوة يوسف إلى مصر لأخذ الميرة]

الحاصل أنهم قدموا على يوسف وهم لا يعرفونه، وذكروا أنهم قدموا إليه للميرة، وأنهم إخوة عددهم اثني عشر، هلك أصغرهم في البرية، وبقي شقيقه عند أبيهم يعقوب ليتسلى به، ثم أمر يوسف بتجهيزهم وتوفية الكيل لهم، وحمل أحمالهم، ثم قال: ائتوني بأخيكم هذا الذي ذكرتم أنه عند أبيكم، ائتوني به لأعلم صدقكم فيما ذكرتم، ثم رغبهم في الرجوع إليه، واصطحاب أخيهم معهم قائلاً: {أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} [يوسف:٥٩] ثم رهبهم قائلاً: فإن لم تأتوني بأخيكم هذا، ولم تقدموا به معكم في المرة الثانية، فليس لكم عندي ميرة ولا تقربون، ثم همس يوسف لفتيانه وغلمانه قائلاً: اجعلوا بضاعتهم التي قدموا بها ليمتاروا عوضاً عنها، اجعلوها في رحالهم وأمتعتهم لعلهم يرجعون.

فلما رجع الإخوة إلى أبيهم، قالوا: يا أبانا منع منا الكيل بعد هذه المرة إن لم ترسل معنا أخانا بنيامين {فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [يوسف:٦٣] وسنرجع به إليك، فقال يعقوب عليه السلام: {هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ} [يوسف:٦٤] وهل أنتم صانعون به إلا كما صنعتم بأخيه يوسف من قبل، تغيبونه عني وتحولون بيني وبينه: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:٦٤] بكبر سني وضعفي وحزني على يوسف.

ولما فتح إخوة يوسف متاعهم، وجدوا بضاعتهم ردت إليهم، فقالوا: يا أبانا ما نبغي؟ أي: وماذا نريد بعد هذا؟ هذه بضاعتنا ردت إلينا، وأتينا بالميرة إلى أهلنا، وزيد لنا في الكيل، وكل ذلك لنا إن أرسلت أخانا معنا، وسنحفظه ونزداد به حمل بعير، فقال يعقوب: لن أرسله معكم حتى تأتوني موثقاً من الله وتحلفون لتأتنني به إلا أن يحاط بكم وتغلبوا جميعاً، فلا تقدرون على تخليصه، فآتوه العهود والمواثيق، فأكدها يعقوب عليهم بقوله: {اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} [يوسف:٦٦] فوافق بعد ذلك على تجهيز بنيامين معهم، ثم أوصاهم، وقال: {يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ} [يوسف:٦٧] قال ابن عباس وغيره: [خشي عليهم العين؛ لما كانوا عليه من جمال الهيئة وحسن المنظر وبهاء الطلعة] ثم قال يعقوب: وما يغني هذا الاحتراز والاحتياط في رد قدر الله شيئاً.