للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أسلوب أخذ يوسف لبنيامين]

ولما دخل إخوة يوسف عليه ومعهم أخوهم بنيامين، أدخلهم دار كرامته ومنزل ضيافته، ثم خلا بأخيه وأخبره بشأنه، وما فعل إخوانه به، وقال له: لا تبتئس، ولا تأسف، أو تظهر جزعاً مما صنعوه بي، واكتمه عنهم، وتواطأ يوسف مع أخيه على حيلة يبقيه عنده معززاً مكرماً، فلما جهزهم وحمل أحمالهم، أمر بعض فتيانه أن يضع السقاية في متاع بنيامين، وهي إناء من فضة، وقيل: من ذهب يكيل للناس به.

فلما أوشكوا على الرحيل، أذن مؤذن ونادى مناد: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} [يوسف:٧٠] فالتفت إخوة يوسف إلى المنادي، وقالوا: {مَاذَا تَفْقِدُونَ} [يوسف:٧١] قالوا: نفقد صواع الملك، وهي السقاية التي جعلها يوسف في رحل بنيامين، ولمن جاء بهذه الصواع حمل بعير، وتكفل المنادي بذلك قائلاً: {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف:٧٢] فقال إخوة يوسف: ما جئنا هنا سارقين، ولا مفسدين، فقال الفتيان: فما جزاء السارق إن كان فيكم من أخذ صواع الملك؟ فقال إخوة يوسف: جزاء من وجد في رحله فهو جزاؤه، وكان في شريعتهم أن السارق يدفع إلى المسروق منه، وهذا هو ما أراده يوسف عليه السلام، فبدءوا يفتشون أوعيتهم قبل وعاء بنيامين، كأنه لا يعرف من الذي سرق، إذ لو بدأ بتفتيش وعاء بنيامين قبلهم ووجدها فيه، لقال إخوة يوسف: هذا أمر قضي بليل، أو دبر بخفاء، فلما فتش الفتيان وعاء بنيامين وجدوا السقاية فيها، فأخذوا بنيامين منهم بحكم اعتقادهم وإلزامهم بما يعتقدونه، في أن من سرق يدفع إلى المسروق، فقال إخوة يوسف لما رأوا الصواع قد أخرج من متاع بنيامين: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} [يوسف:٧٧] يعنون يوسف عليه السلام يوم أن أخذ صنماً لجده أبي أمه فكسره، فأسرَّ يوسف في نفسه قوله: {أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} [يوسف:٧٧] ثم قال إخوة يوسف: يا أيها العزيز! إن له أباً شيخاً كبيراً يحبه حباً شديداً، خذ أحدنا مكانه، أو بدلاً منه إنا نراك من المحسنين المنصفين، فقال يوسف: {مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ} [يوسف:٧٩].

فعند ذلك يئس إخوة يوسف من تخليص أخيهم بنيامين، ثم انفردوا عن الناس يتناجون فيما بينهم، فقال كبيرهم وهو الذي أشار عليهم بإلقائه في البئر بدلاً من قتله: ألم تعلموا أنكم أعطيتم أباكم العهود والمواثيق من الله لتردن يوسف إليه، وقد رأيتم كيف تعذر ذلك عليكم، ومن قبل ذلك تفريطكم في شقيقه يوسف، فلن أبرح هذه البلدة حتى يأذن لي أبي في الرجوع إليه راضياً عني، أو يحكم الله لي بأخذ أخي، ثم قال أخوهم الأكبر: {ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} [يوسف:٨١] وإن كنت لم تصدقنا، اسأل القرية التي كنا فيها، والعير التي أقبلنا فيها، وإنا لصادقون فيما أخبرناك به من سرقته.