للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خطأ حصر وتحديد مجالات الدعوة]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الأحبة في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إنها لمناسبةٌ سعيدةٌ، وموقفٌ مشرفٌ أن يقف الأخ بين يدي إخوانه، وفيهم من هم خيرٌ منه وأعلم وأتقى لله منه؛ لأجل التواصي وسماع الموعظة والذكرى، وإن الإنسان ليملُّ الانتظار والإطالة إلا في عبادة، أو في انتظار عبادة، وإن الإنسان ليكره الزحام إلا في طاعة ولسماع ذكرى، وإن الواحد ليحمد الله عز وجل أن تمضي هذه الساعة من عمره ودهره وحياته وهي شاهدةً له بأنه ما قضاها أمام ملهاة أو معصية، ولا في سماع باطلٍ أو ساخطٍ من القول، وإنما قضاها بعد عبادةٍ في ذكرٍ ينتظر بعدها عبادة، وإن ذلك -كما في الحديث- مما يرفع الدرجات، ويمحو الله به الخطايا، ذلكم هو الرباط كما قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: كثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، وإسباغ الوضوء على المكاره، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط).

أيها الأحبة! إنها نعمة عظيمة أن نجتمع وإياكم في طاعة، ولسماع طاعة، ولنحقق طاعة، ولنعمل في طاعة، ونحن نعلم أن الكثير من عباد الله في معصية، وإلى معصية، وعلى معصية، أو في تحقيق معصية، أن تكون من المصطفين الذين أكرمهم الله بهذه الهداية، ومنَّ عليهم بهذه الاستقامة، إنها لنعمةٌ وأي نعمةٍ، بل وأعظم بها من نعمة.

أحبتنا في الله! حديثنا اليوم محصلة موجزة، وتجربة قصيرة متواضعة من خلال زيارات ولقاءات وكلمات، أو محاورات بين بعض الإخوة ومع كثير من الأحبة، تبين لي أن ما تسمعون الليلة وإن كان معلوماً لدى الكثيرين بحمد الله، إلا أن الكثير أيضاً يغيب عن أذهانهم الكثير مما نسمعه اليوم، وبعضهم لا يتصورونه بوضوح كامل، أو بأفق واسع، ولأجل هذا سميناه بـ (المفاهيم الغائبة) وليس هذا من باب الاستغراق، ولكن لعل في الإشارة ما يغني عن التفصيل في كل العبارة، وكفى من القلادة ما أحاط بالعنق.

أيها الأحبة! التعبير بالمفاهيم لأجل التواصي والتذكير بدلاً من النقد والانتقاد مع اعتقادنا جميعاً أن النقد الذاتي مطلوبٌ، ولَأن ننتقد أنفسنا خيرٌ من أن يقع أعداؤنا على مواقع الضعف فينا، ولَأن نبادر إلى التواصي بيننا خيرٌ من أن يجدها الأعداء مسبة، أو مثلبة يتشمتون بنا فيها، وهذا الذكر لهذه المفاهيم مع احترام العمل القائم والجهد المبذول، والحديث سهل والعمل عسير، وليس بيسير إلا على من يسره الله عليه.

أقِّلوا عليهم لا أبا لأبيكمُ من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا

أيها الأحبة! طرح هذه المفاهيم أراها تصحيحاً لتصور خاطئ، أو توسيعاً في مجال ضيق، أو تذكيراً بأمر غائب، وبالجملة فالموضوع لا يخرج عن إطار التواصي الذي هو من صفات المؤمنين كما أخبر سبحانه عز وجل بقوله: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

{وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:١ - ٣].

وطرح هذه المفاهيم من باب التذكير بها لا يخرج عن إطار الذكرى لقول الله عز وجل: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:٥٥].

وأبدأ في سرد هذه المفاهيم، وربما لا تأتي مرتبةً، ولكن لعل ذلك من التشويق والتنويع، فمن ذلك: أنني رأيت كثيراً من الأحبة والفضلاء والغيورين والمتحمسين يتصورون حصر الجهد في الدعوة في مجالات محدودة معدودة، وإذا لم يتحقق النشاط، أو النماء، أو الامتداد، أو الحركة، أو العمل في هذه المجالات المحدودة، يرى أنه لا مقام، ولا مكان، ولا سبيل إلى الدعوة إلى الله عز وجل.

وأرى أن ذلك تحجير لواسع، بعضهم يرى أن الدعوة فقط في المحاضرة والندوة وتوزيع الشريط والكتاب، وفي الحقيقة أن هذا حصرٌ، ومن يرى أن الدعوة فقط في هذه المجالات فهو كمن يجعل البحار في قِرَب، أو يجعل المحيطات في أنهار، الدعوة محيطٌ متدفقٌ واسعٌ، وبحرٌ أمواج خيره وبره ونفعه متلاطمةٌ تجيء بالخير بإذن الله عز وجل، وليس محصورةً في هذه المجالات فحسب.