للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية سؤال أهل العلم عند الالتباس]

حينما تجد نفسك ملزماً بأن تقول قولاً وليست لديك الآلة والقدرة والتجربة والمعلومات الكافية، حينئذٍ مثل ما قال الشيخ/ ابن عثيمين: هذا صنفٌ يلزمه السؤال {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء:٧] وبعد ذلك إذا رأيت أهل الذكر مختلفين وأنت تقول: أنا لا أدري أميل مع من، أو أقول بقول من، أقول: اعرض هذا الرأي على أقوال أهل الذكر وأحكامهم فهذه مسألة اجتهادية.

أعطيك مثالاً: عرضت مسألة من مسائل سمها ما شئت مثلاً مسألة التأمين، أو مسألة معينة، فأقول لك: رأي هيئة كبار العلماء الشيخ/ ابن باز، الشيخ/ ابن عثيمين، الشيخ/ ابن فوزان، والشيخ/ ابن غديان، والشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، والشيخ فلان، والشيخ فلان، ورأي المجمع الفقهي، ورأي كثير من علماء الإسلام أن ذلك ممنوع لما فيه من غرر ورهان، أو مقامرة، أو جهالة، ويأتي اثنين، ثلاثة، أربعة، خمسة، عشرة من العلماء المشهود لهم بالعلم، فيقولون: لا، هذا أمر جائز، تقول: والله أنا عامي أصدق من؟ أقول بقول من؟ أقول: انظر إلى هذا الفريق والجمهور الكبير من العلماء والأئمة والمجتهدين، أظن أن النفس تطمئن إلى الميل إلى قولهم وفتواهم.

وقس على ذلك أي قضية وأي نازلة، إذا كنت مضطراً للكلام فيها، فانظر إلى الجمع الغفير والكم الهائل من العلماء وأئمة الإسلام، فإذا نظرت قولهم في هذه المسألة معيناً، فاتبع ذلك القول المعين، وستجد أنك بإذن الله عز وجل أمام الله بمعذرة، لأنك نظرت إلى هذه المسألة فلم تستطع أن تقول فيها بقول أو باجتهاد من عندك، لأنك قاصر عن الاجتهاد، ثم نظرت إلى من حولك، فوجدت مائة يقولون بهذا القول، وخمسة أو عشرة يقولون بالقول الآخر، فقل بقول هؤلاء المائة، ولا يضيرك عند الله أن تقول: قلت بقول هؤلاء، بل هذا في أمور الدنيا، الآن الواحد لو أراد أن يستشير في علاج أو دواء معين، وقال: ما رأيكم؟ يسأل هيئة استشارية طبية، ويقول: ما رأيكم في استعمال هذا الدواء؟ فتقول له هذه الهيئة: مائة طبيب ينصحونك بعدم تناوله، وخمسة أطباء ينصحونك بتناوله، فهل من العقل أنك سترمي بقول مائة طبيب عرض الحائط، ثم تأخذ بقول هؤلاء الخمسة؟ هذا في بدنك وصحتك، ستأخذ بقول من توافرت عقولهم وأقوالهم بهذا، فكذلك من باب أولى في دينك ودنياك ومعادك.

مسألةٌ تتفرع عن هذه القضية -وهي من المفاهيم الخاطئة-: يظن بعض من يسمع بمثل هذه القضايا أن من واجبه أن يتحيز لأحد الفريقين، وأن يتعصب، لا أبداً هذه مسألة لن يسألك الله عز وجل عنها يوم القيامة، أنت ما تتفرج على حلبة مصارعة، يلزمك أن تشجع فلاناً ضد فلان، وفلاناً ضد فلان، ولا يمكن أن تضرب هذه القضايا الخلافية بحلبات المصارعة، بل إذا أردت أن تتدخل في هذه القضية فليكن تدخلك من منطلق قول الله عز وجل: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء:١١٤] إذا وجدت هذا الخلاف قد أفسد ذات البين، وأردت أن تتكلم، فلا تزد النار وقوداً، وإنما اجعل كلامك باباً للتوفيق والتقريب في إصلاح ذات البين بإذن الله عز وجل.

فلا يلزمك حينما تسمع بفرقة، أو فتنة، أو اختلاف أن تتحيز لأحد أطرافه إلا إذا رأيت أن الحق الواضح البين مع فريق قد ذهب جمهور العلماء والثقات والأثبات والكبار إليه، فحينئذٍ لك أن تميل، وأن تطمئن إلى هذا القول، وأن تعمل به، وليس ذلك بغريب بإذن الله عز وجل.