للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كيفية اختيار مجالات العلم والدعوة]

مسألة أخرى: ستجد حينما تقع مثل هذه القضايا ردوداً ومرادات ونحو ذلك، تجد بعض الشباب لا شغل له إلا دراسة الردود والقيل والقال، حسناً اسأله أولاً عن تأسيس علمه، كيف أسس علمه في الفقه؟ كيف أسس علمه في المصطلح؟ كيف أسس علمه في العقيدة؟ كيف أسس علمه في اللغة؟ كيف أسس علمه في القواعد الشرعية الفقهية وأصول الفقه؟ لا تجد عنده تأسيساً، لكنه يريد أن يشتغل برد فلان على فلان، وقال فلان على فلان، وأشغل حياته بذلك، مع أن نقل الردود ما يسعف عن الله عز وجل، ولئن تلقى الله يوم القيامة وأنت لا تعرف رداً على هؤلاء المختلفين، أو لم تسق رداً بينهم، لن يحاسبك الله على ذلك، لكن ينفعك عند الله عز وجل أن تكون قد أسست علماً رصيناً متيناً مكيناً في العقيدة، والتوحيد، والعبادة، والفقه، واللغة، والمصطلح.

فأسأل الله عز وجل أن يؤلف قلوبنا، وأن يهدينا إلى الصواب.

كذلك من المفاهيم التي أدركتها ولاحظتها وربما يقع بعض الشباب فيها: التهوين من شأن بعض المجالات، وعدم الالتفات إليها، والقول بالتركيز على مجالات معينة.

هذا ليس بصحيح، أنا لا أحسن إلا هذا المجال، فلماذا تهون من شأنه، تريد أن تثبطني حتى أتركه، فلا أعمل، أنا لا أحسن إلا هذا المجال، قد تكون أنت قادراً على مجالات عديدة في الدعوة مثلاً، لكنني أنا لا أستطيع أن أحسن من الدعوة إلا مجالاً واحداً، فلماذا تهون من شأنه؟ بل إذا وجدتني على ثغرة قد عضضت بالنواجذ عليها، فأعني وثبتني واشكرني وأيدني، فإن لم يكن ذلك عندك.

لا خيل عندك تهديها ولا مالُ فليسعف النطق إن لم تسعد الحالُ

إذا لم تستطع أن تدعمني وتؤيدني على هذا المجال الذي أنا فيه بكلمة طيبة، فإن بخلت وعجزت بكلمة طيبة (فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).

أنا أضرب مثالاً من الواقع: شاب يقول لآخر: لماذا تعمل في مكاتب هذه الجالية؟ ليسوا غير هنود رائحين وهنود قادمين وطالعين ونازلين! وهل دعوة غير المسلمين إلى الإسلام أمر هين؟ مثلاً بعض الشباب يرى في باله أنه لو استطاع أن يكبس أو يكتشف أو يداهم شبكة دعارة أن ذلك هو أخطر وأهم وأكبر مجال يستطيع أن ينصر فيه الدعوة إلى الله جل وعلا، لكن أن يسلم على يده هندي، أو هندوسي، أو بوذي، أو وثني، أو نصراني، أو يهودي، هذا مسألة لا تقوم ولا تقعد عنده، لا يا أخي هؤلاء على ضلالهم ودعارتهم على سبيل المثال لا يزالون مسلمين، وهم فساق وعصاة ومرتكبو كبيرة، لكن هذا ترك الكفر إلى الإسلام، كان يسجد للصليب، فأصبح يسجد لله، كان يخضع للأوثان، فأصبح يخضع لله عز وجل، فلماذا تهون من هذا المجال؟ يعني: لا بد أن نؤمن بقدرات وإمكانيات وتخصصات كل في مجاله، بل هذا يدعو إلى النظر في فقه الأولويات والاهتمام به، هل يستطع أحد أن يقول: إن الاهتمام بإنكار منكر أعظم وأجلّ وأعلى قدراً من دخول كافرٍ في الإسلام؟ طبعاً لا، لكن هذا لا يعني أن الذي يعمل في الجاليات يثرب على أهل الهيئات والحسبة الذين يطاردون أهل الكبائر والمنكرات، بل أولئك على ثغر، وأنت على ثغر، وهذا الذي يتربى عند العلماء في حلق العلم على ثغر، وهذا الذي يعمل في الأعمال الخيرية على ثغر، وهذا الذي يعمل في كفالة الأيتام على ثغر، وهذا الذي يدعو في السجون على ثغر، وهذا الذي يخالط الشباب ويدعوهم ويكلمهم ويدعوهم بلغتهم والمستوى الذي يفهمونه على ثغر، وكلٌ على ثغر، فإياك أن تهون من شأن مجال يعمل فيه واحد من إخوانك.

ليس هذا- كما قلت- بدعوة إلى أن يجتمع الناس في مجلس واحد، وهو أيضاً تحذيرٌ من أن يهون بعضنا من مجال يشتغل فيه البعض الآخر، إنما من واجبا أن نحترم القدرات والمهارات، وأن نوظف الطاقات كلٌ في المجال الذي يصلح له بإذن الله سبحانه وتعالى.