للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[غربة الإسلام المعاصرة]

كذلك أيها الأحبة من المفاهيم العجيبة حول قول النبي صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً، فطوبى للغرباء).

بعض الإخوة يتصور أن غربة الإسلام غير موجودة، يقول لك: يا أخي انظر هذه محاضرة، وهذا المجتمع كل الناس حاضرين ولله الحمد، والمسجد ممتلئ، وهناك محاضرات، وهناك ندوات، ولماذا الكلام عن غربة لإسلام؟ ولماذا تتكلم عن غربة الإسلام؟ الخطأ يأتي هنا، لا تحكم بغربة الإسلام وعدمها من خلال بيئتك المحافظة، أو الملتزمة، أو التي فيها أعمال دعوية، أو نشاط دعوي معين، انظر إلى غربة الإسلام والمسلمين أحياءً وأمواتاً في كثير من البلدان في الخارج، يعيشون غربةً حقيقيةً لا يستطيع أحدهم أن يأمن على نفسه ودينه، في بعض البلدان أحدهم لو صلى الفجر مرات متوالية لأصبح متهماً، وفي بعض البلدان الفتاة المحجبة تبتلى وتسجن وتؤذى، هذه غربة حقيقة، لا تنظر إلى مجتمعك، وتقول: والله أنا في خير، وما هناك غربة في الإسلام، لا.

الغربة موجودة، لكن لا تنسب الوضع إلى مجتمعك فقط، انظر إلى مجتمع المسلمين عامةً، وانظر إلى حياة المسلمين عامة؛ ستجد الغربة الحقيقية التي ربما جعلت الجيل الثاني، والثالث من أبناء المسلمين يتنصرون، تصوروا في الأرجنتين، وتشيلي، وأمريكا الجنوبية عوائل مسلمة هاجرت، فكانت النتيجة المفجعة المؤلمة أن الجيل الثالث من أبناء هذه العوائل أصبحوا نصارى بأسماء نصارى، وأجدادهم مسلمون بأسماء مسلمين، الغربة موجودة.

البعض عندما تكلمه عن غربة الإسلام، يقول لك: يا أخي نحن بخير والحمد لله، حسناً هل الإسلام كله بلادنا؟ حينما تتكلم عن المسلمين فلا تتكلم عن المسلمين فقط في حدود المملكة، بل تكلم عن المسلمين عموماً، فتتكلم عن غربة المسلمين، نعم في بعض البقاع هم بخير، وفي بقاع كثيرة هم في فتن وبلاء وشر الله به عليم، فينبغي أن ننتبه لهذه القضية.

وأقول: هذا الشعور بعدم الغربة استناداً إلى ما ترى من واقع الخير- ولله الحمد- يجعلك لا تهتم ولا تبالي بأحوال المسلمين، ولا تتألم بآلامهم، بل لا بد أن تستحضر غربة الإسلام في هذا الزمن، وغربة المسلمين في هذا الزمن حتى يتحرك الجسد، أليس المسلمون كما قال صلى الله عليه وسلم: (كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) نعم.

فهناك أعضاء متألمة من جسد الإسلام والمسلمين اليوم يتألمون ويتأوهون ويبكون ويسكبون العبرات، ويصيحون، ولا يجدون من يغيث، أو ينجد، أو ينصر، ولا أدَل على ذلك من الذي يحدث الآن في فلسطين من حال إخواننا المسلمين اليوم، ولكن {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:٢١٦] {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:١٩].