للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل الجهاد والمجاهدين]

إخواني في الله، أحبابنا في الإيمان! لقد جئت إلى هذا المسجد وأنا أسمع لخطيبنا المسطع, والشاب النبيل المجاهد الأخ: سعد البريك , وفي نفسي وذهني كلمات هيئتها لأقولها, ولكني حينما سمعت هذه الخطبة التي أخذت بمجامع القلوب, ووصلت إلى الأعماق, ولم تترك مقالاً لقائل.

سمعت هذه الخطبة بهذا اللفظ البليغ الوجيه, فسرى في جسمي سرور كما تسري الكهرباء في مسالكها, لشيئين: الأولى: أني وجدت واطمأن قلبي بأن هذه الأمة لا زال بها الخير والحمد لله تَبَارَكَ وَتَعَالَى, وما دام فينا أمثال هؤلاء الخطباء الذين يحرضوننا على التمسك بكتاب الله وسنة رسول الله, وإحياء سنة الجهاد, هذه السنة والفريضة الغائبة التي يقول فيها الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا) ويقول فيها صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلِيهِ: (من مات ولم يغزُ ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق) والعياذ بالله.

سرى في جسمي سرور عظيم, وعلمت أن في الزوايا قضايا, وأن الخير في هذه الأمة -بحمد الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لا زال يفيض ولهم آذان، أمثال هؤلاء الشباب الذين يحملون مشاعل العلم, ويقولون كلمة الحق لا يخافون في الله لومة لائم فنحن على هدى, ونحن على حق, كثّر الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى من أمثالهم, وجزى الله خطيبنا خير الجزاء, وبارك الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى في علمه وفي عمره, ونفع به وبإخوانه الأجلاء.

إخواني في الله: ماذا أقول؟ لم يترك خطيبنا مقالاً لقائل, وطرق لنا أعلى فريضة في الإسلام التي لا يعادلها شيء بنص قول الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى وقول رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فربنا يقول: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:٩٥ - ٩٦] فهذا الفرق بين المجاهدين والقاعدين حينما يكون الجهاد فرض عين, أي: يوجد في الأمة من يسد الثغور, ويقص رأس الأعداء, ويقف في وجوههم, في تلك الحالة يكون الجهاد فرض كفاية وربنا تَبَارَكَ وَتَعَالَى يذكر فضل المجاهدين في هذه الحالة ويستثني أولي الضرر ممن قال فيهم: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ} [الفتح:١٧] {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة:٩٢] إذ ذكر الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى هؤلاء, فالمجاهدون بالفعل يسبقونهم بدرجة, وأما الآخرون من العلماء والحكام والأطباء والمهندسون وغيرهم, فهؤلاء يخدمون، لكن المجاهدين يفضلون عنهم بدرجات عظيمة, بدرجات منه ومغفرة ورحمة.

وقد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إن في الجنة مائة درجة ما بين الدرجة والدرجة كما بين السماء والأرض أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله).

وجاء رجل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في صحيح البخاري براوية أبي هريرة رضي الله عنه قال: (دلني على عمل يعدل الجهاد؟ قال: لن تجده, فلما ولى دعاه, قال: كيف قلت؟ قال: دلني على عمل يعدل الجهاد؟ قال: هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تقوم ولا تفتر, وتصوم ولا تفطر؟ قال: ومن يستطيع ذلك؟ قال: أما إنك لو فعلت ذلك ما بلغت درجة المجاهد في سبيل الله) وفي رواية ذكرها الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث في الجزء السادس, قال: (أما إنك لو فعلت ذلك ما بلغت عشر درجة المجاهد في سبيل الله).

ورضي الله عن الإمام المجاهد عبد الله بن المبارك حينما كتب إلى الفضيل بن عياض وهو يتعبد في مكة:

يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب

من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب

ماذا أذكر في فضل الجهاد؟ قد ذكره الشيخ بارك الله فيه, وأطلق وبين, ونادى وأبلغ, وماذا أجد في ذلك؟ ولكنني أقول كما قال الشاعر:

ربَّ وامعتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتم

لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم

نسأل الله أن يوقظنا من غفلتنا, وأن يلهمنا رشدنا, وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه.

فالجهاد هو أعلى ذروة سنام الإسلام, ولا يعدله عمل من الأعمال مهما كان ذلك العمل, كيف لا ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: (والذي نفسي بيده لولا رجال من أمتي لا يستطيعون الخروج معي ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله, ولوددت أن أقتل في سبيل الله, ثم أحيا ثم أقتل, ثم أحيا ثم أقتل, ثم أحيا ثم أقتل) كررها ثلاثاً صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلِيهِ يتمنى الشهادة, مع أنه صاحب المقام المحمود, وهو الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر, وهو الذي قال له: {يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} [التحريم:٨].