للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[غاية المسلم في الحياة]

إذاً: ليست القضية قضية أن الإنسان يعيش بلا غاية، بل القضية أن تعيش لهدف وغاية، والله عز وجل قد بين لنا الغاية التي نحن ننتظرها.

يا أحباب: نحن نصبح ونمسي، إذا قال المؤذن حي على الفلاح وذهبنا نصلي، ووقفنا وركعنا وسجدنا، فالجباه أشرف عضوٍ في الإنسان لو ضرب إنسان على وجهه لجن جنونه؛ لكن هذا الوجه الشريف أشرف ما فيه باختيارك وبرضاك وبطوعك، تأتي وتسقط وتضعه على الأرض: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، ترمي هذه الجبهة على الأرض خاضعاً منكسراً، ولا تجد وضعاً تكون فيه في تام الذلة والخضوع والعبودية لله مثل وضع السجود أبداً.

وأقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد؛ لأنه يكون في غاية الخضوع والذلة والانكسار للخالق، تدعوه وأنت منكسر في سجود؛ لأنك تعلم أن أمامك غاية، وهي أن يرحمك الله رحمة واسعة، وأن يتوفاك على الإسلام، وأن يرضى عنك وأن يدخلك الجنة، وأن ينجيك من النار.

يا شباب: أنتم جميعاً الذي لا يجعل هذه الغايات أمامه صباح مساء مسكين مسكين، ضائع ضائع، ووالله لو جاء مدير المعهد المهني، وقال: يا شباب: من هذه السنة لا يوجد شهادات، هناك دارسة لكن ليس هناك شهادات؛ تجد الطلاب في فوضى، ندرس كل هذه الدارسة ثم نخرج بدون شهادة وبدون فائدة لا نقبل، فأين الغاية وأين الثمرة وأين النتيجة، أنتم حددتم بل الغاية والثمرة والمقصد من مجيئكم يومياً إلى المعهد موجودة في عقولكم وقلوبكم، ولذلك لو جاء المدير يساومكم عليه، يقول: هذه الغاية ألغيناها، قلتم: لا.

نبحث عن معهد آخر يعطينا الشهادات.

إذاً: أنا أسألكم جميعاً الآن، هل تجعلون الغاية من وجودكم وهي عبادة الله عز وجل، هل تجعلونها أمام أعينكم؟ للأسف كثير من الشباب يقول: لا.

والكافر هو الذي يقول:

جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت

ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت

كيف جئت كيف أبصرت طريقي

لست أدري

ولماذا لست أدري؟

لست أدري

هذا الكافر لا يعلم لماذا خلق وإلى أين النهاية، لكن أنت أيها الشاب! أنت تعلم ما هي الغاية من وجودك، الغاية أن تعبد الله وحده لا شريك له، أي عمل يخالف مقاصد العبودية لله عز وجل، لا تقبله أبداً، لو جاءك رجل وقال: تعال أريد أن أشغلك طبالاً، نريد أن نشغلك رقاصاً، نريد أن نشغلك رقِّيصاً، تعرفون الفرق بين الرقاص والرقيص؟ الذين يعرفون الحمام يعرفون الفرق بين الرقاص والرقِّيص.

المهم لو قال لك: أتشتغل عندي رقاصاً؟ قلت: لا يا أخي أنا لم يخلقني الله عز وجل لأكون رقاصاً، وإنما خلقني الله لعبادته، هات وظيفة معينة فيها عبودية، أدرس في المعهد المهني وأتخرج على وظيفة معينة، أنفق على أولادي منها عبادة لله، أطعم وآكل بالحلال من دخلي وأتصدق عبادة لله؛ لأن العبادة ليست فقط بالركوع والسجود، بل هي في كل عمل ترجو به وجه الله، لكن لا يأتي أحد يقول أنا أرجو وجه الله بالرقص، أنا أرجو وجه الله بالعزف، أنا أرجو وجه الله بالملاهي، لا.

دف ومزمار ونغمة شادنٍ فمتى رأيت عبادة بملاهي

أيها الأحبة: الغاية من وجودنا هي عبادة الله عز وجل، فلابد أن نجعلها أمام أعيننا، وهذا حديث عليكم أن تحفظوه غاية الحفظ ألا وهو: (من أصبح وهمه الآخرة) يعني: أنت اليوم استيقظت على أذان الفجر، وأصبحت وكل همك: يا ألله ترحمني يا ألله تجعلني من أهل الجنة، وليس بلازم أن يصبح عمرك ستين سنة حتى تقول: يا ألله ارحمني: (من أصبح وهمه الآخرة تكفل الله برزقه، وأتته الدنيا راغمة، وجمع الله ضيعته) يعني جميع الأمور المتشتتة، يجمعها الله له ويهيئ أمره ويسهل عليه أموره: (ومن أصبح وهمه الدنيا فرق الله عليه أمره ولم يؤته من الدنيا إلا ما قسم له).