للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قدم العداوة بين الحق والباطل]

الحمد لله الذي أعز عباده المؤمنين، ونصر جنده الصادقين، وجعل أعداء دينهم من الصاغرين، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، فهو إله الأولين والآخرين، أحمده وأشكره وأثني عليه الخير كله، أحمده ملء السماء وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شاء ربنا من شيء بعد، وأشهد أن لا إله إلا هو جل عن الشبيه والند والمثيل والنظير {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، عبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

معاشر المؤمنين: اتقوا الله تعالى حق التقوى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].

معاشر المؤمنين: ما من أحد في هذه الدنيا يسلم من العداوة أو ينجو من الأحقاد والضغينة من قبل الحاسدين أو المبغضين، وإذا كان رب العباد جلَّ شأنه، وعزَّ سلطانه قد ضل وجهل في ذاته وصفاته أحقر خلقه وهم اليهود، فقالوا: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة:٦٤]، وقالوا: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران:١٨١].

وإذا كان نبيه صلى الله عليه وسلم قد نال من عرضه المنافقون، ونال من سيرته ونبوته الكافرون، فقالوا: ساحر أو مُعَلَّمٌ مجنون، وقالوا: في شأن الوحي الذي يتلى عليه: {أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الفرقان:٥]، ولم ينج صلى الله عليه وسلم وهو النسيب الشريف في قومه لم ينج من أذى المعاندين، وسفاهة الجاهلين، فجعلوا الشوك والقذر في طريقه، وسلا الجزور على ظهره، وتمالؤوا في قتله ليضيع دمه، ولم ينج صحابته الكرام من كيد اللئام، وأذى الرعاء والطَّغام، فثبت الصحابة رضاً لرب الأنام، وأرخصوا الأرواح ليعز دين الإسلام، وبذلوا الدماء ليرتفع الجهل وليحل العدل والنور بين الأنام، وجاء من بعدهم التابعون لهم بإحسان، فحملوا الراية، ونشروا الهداية، وكانوا بحق لهذا الدين آية.

ومع هذا كله مع التضحيات ما نجوا من الأذى والفتنة والابتلاء! وبالجملة: من طلب السلامة من الخلق فقد طلب المستحيل.

إن نصف الناس أعداء لمن ولي الأحكام هذا إن عدل

نصبُ المنصِب أوهى جلدي وعنائي من مداراة السفل

ليس يخلو المرء من ضد ولو حاول العزلة في رأس الجبل

ولقد كانت العداوة بين الحق والباطل قديمة قِدم البشرية، واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، ليبتلي الله المؤمنين، وليمحص الصادقين، وليكشف الستر عن المفسدين والمنافقين.

إن عداوة الكافرين جلية من قديم الزمان، وحسبكم قول الله عز وجل: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة:١٠٥] ويقول سبحانه: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة:١٠٩] ويقول تعالى: {هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ} [آل عمران:١١٩]، ويقول جل شأنه: {وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ} [آل عمران:١١٩].

ولما كانت هذه العداوة بين الحق والباطل، والكفر والإيمان، والهدى والضلالة لما كانت العداوة قديمة قِدم البشرية؛ فقد تلونت وتطورت بألوان البشر وتطورهم، وظهرت تارة سافرة العداوة، وتارة بأشكال قشيبة، وبأساليب غريبة {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [الأحزاب:٦٢] {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} [فاطر:٤٣].

عباد الله: لقد علم أعداء الإسلام علم اليقين أن مواجهة المسلمين في عقائدهم لا تزدهم في الدين إلا صلابة، ولا تزيدهم في الطريق إلا مُضياً.

لقد علم أعداء الإسلام أن المسلم حينما يصادم في عقيدته ودينه وكتاب ربه وسنة نبيه علموا أن هذا الصدام يزيل الغشاوة عن فطرته، فينهض للذب عن ملته، والذود عن أمته، وحينئذٍ لجئوا إلى أثواب الخداع القشيبة، وصور المكر المريبة التي انطلت على السذج والغوغاء، وفطن لها أولوا الفراسة والذكاء؛ فانطلق الصادقون يحذرون أمتهم شفقاً وحباً، يحذرون أمتهم شباباً وشيباً، رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً، انطلق الصادقون يحذرون أمتهم من خطر هذه الأساليب الملتوية، ويكشفون زيفها وباطلها.