للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أثر النفاق على المجتمع المسلم]

عباد الله: إن الذي يظهر لك العداوة سافرة، لا تحتاج إلى أدلة وبراهين لتعرف عداوته، إن الذي يبغضك صراحة لا تحتاج إلى دليل لمعرفة بغضائه وعداوته، ولكن مصيبة الأمة والخطوب المدلهمة إنما هي من أعداء يظهرون المسالمة ويبطنون الضغينة، فهم على حد قول القائل:

يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب

وهم كما قال الآخر:

إن الأفاعي وإن لانت ملامسها عند التقلب في أنيابها العطب

فالمنافقون وأهل العداواة المغلفة هم مصيبة الأمة، وسبب النيل منها.

لقد هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقامت دولته، فأصبح الناس معه على فئات ثلاث: مؤمنين وكافرين، وهؤلاء شأنهم واضح، والفئة الثالثة المنافقون، ومن المنافقين نال النبي صلى الله عليه وسلم أذىً عظيماً، فما ترك المنافقون شاردة ولا واردة يقدرون على صرفها لمعاداة النبوة إلا فعلوها، حتى بلغ بهم الأمر أن اتهموا نبيهم صلى الله عليه وسلم في زوجته عائشة بالزنا.

يا عبد الله: لو جاء واحد وقال لك: إن زوجتك زانية، أو أمك باغية، أو أختك فاجرة، ما الذي يصيبك؟ هل تستطيع أن ترقأ بالنوم للحظة؟ هل تستطيع أن تلذ بطعام أو شراب؟ فما بالكم بالنبي صلى الله عليه وسلم المؤيد بالمعجزة، تتنزل عليه الملائكة بالوحي، خير من وطئت قدمه الثرى، يقول المنافقون عنه: إن زوجته لزانية.

أي مصيبة تصيب الأمة من المنافقين وأذناب الكافرين، لقد بلغ الأمر بهم أن اتهموا النبي صلى الله عليه وسلم في زوجته عائشة، وهي العفيفة الحصان الرزان.

أم المؤمنين رضي الله عنها، رموها بالإفك، وقال رأس النفاق ابن أُبي في شأنها ما قال لما عادت متأخرة عن الجيش.

فاتها الجيش -والجيش بالليل سائر- بقيت مكانها، فلما جاء الصحابي الجليل صفوان بن المعطل السُلمي ورآها عرفها، وكان قد عرفها قبل نزول الحجاب، فما كان منه إلا أن أناخ ناقته، وتنحى عن الناقة بعيداً، حتى تركب أم المؤمنين، وأمسك بزمام الناقة، يقودها حتى بلغ الجيش.

أي عفة؟! وأي غض للبصر؟! وأي احترام لزوج النبوة أعظم من هذا؟! ومع ذلك كله قال ابن أُبي رأس النفاق، الذي نشر حادثة الإفك وتولى إذاعتها ونشرها بين الناس وبين أذناب النفاق في مجتمع المدينة، قال: والله ما سملت منه وما سلم منها.

فَمِن هؤلاء -يا عباد الله- يدخل البلاء في صفوف الأمة {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة:٢٠٤ - ٢٠٦].

ولكن اعلموا -يا عباد الله- أن لله في هذا حكمه، وأن أنواع البلاء وتلون الابتلاء لله فيه حكمة: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام:١١٢]، {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:١ - ٣].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.