للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[طعن الأعداء في رموز الأمة]

الحمد لله، الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك.

معاشر المؤمنين: ها أنتم ترون وتعلمون أن العداوة للإسلام والمسلمين سافرة ظاهرة، وأخذت ألواناً قشيبة وأساليب غريبة، فتنطلي على من لا عقل له، ومن لا فؤاد ولا لب له، ويفهمها ويفطن لها الألِباء الأذكياء.

فيا معاشر المؤمنين: اعلموا أنكم مستهدفون، وأن أمتكم مستهدفة، وأن أرضكم مستهدفة، وأن مقدساتكم مستهدفة، وأن ولاة أمركم مستهدفون، وأن علماءكم مستهدفون، فما دمنا نعلم هذه العداوة، فلنأخذ الأهبة والاستعداد، لنشد من ترابطنا، ولنوحد صفوفنا، ولنجمع كلمتنا، ولا نجعل للمجرمين والمنافقين إلى أرضنا وخيراتنا وأمتنا وعلمائنا سبيلا.

معاشر المؤمنين: يئس الكفار أن يحرفوا القرآن بعد محاولات لتحريفه، فعجزوا عن ذلك، وكيف يقدرون والله حفظه، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩].

وحاولوا تشويه السنة، ولكن قيَّض الله لها رجالاً أتقياء أصفياء أقوياء، حفظوا الدين بالإسناد، فبينهم السند الذهبي العالي المتصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

ويوم أن أيقن أعداء الدين والملة أن لا سبيل لهم إلى الكتاب والسنة؛ لم يبق أمامهم إلا الرجال، فأخذوا يلفقون الافتراءات والأكاذيب والأقاويل والأباطيل على الرجال.

يقول أحد الرافضة: إننا أبطلنا الناقلة ليبطل المنقول، أي: أن شتمهم للصحابة، ونيلهم من رجال الحديث ليس لعداوة مجردة بينهم وبين رجال الحديث، ولكن الضرب والسبيل والطريق لتشكيك المسلمين في حديث نبيهم، الطريق إلى ذلك أن يشكك الناس في سير الصحابة، ومن قرأ الخطوط العريضة، وجد أقوالهم التي يستحي الواحد أن ينطق بها على هذا المنبر من شناعة قولهم في شأن الصحابة والتابعين ومن بعدهم.

يريدون أن يشوهوا صورة الصحابة، ويريدون أن يشوهوا صورة التابعين، حتى إذا قرأت حديثاً في سنده ذلك الصحابي قلت: ومن يضمن لي سلامة الحديث وفيه ذاك الصحابي الذي سمعنا عنها كذا وكذا.

ومعتقد أهل السنة والجماعة: أن الصحابة كلهم عدول، اختارهم الله جل وعلا لصحبة نبيه، ونهى النبي عن الوقوع فيهم فقال: (لا تسبوا أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق ملء جبل أحد ذهبا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه) لو تصدق واحد بوزن جبل أحد ذهباً ما كانت صدقته تساوي نصف مُدٍّ، يتصدق به أحد الصحابة، ومع ذلك اجتهد الأعداء في النيل من سير التابعين ومن بعدهم، حتى يتشكك الناس في سير العلماء، وفي سير معالم الدين، ورموز الشريعة، وهيهات هيهات {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج:٣٨].

عباد الله: يلجأ الأعداء إلى أسلوب الشائعات والأباطيل والأكاذيب والافتراءات في معالم الدين وعلماء الأمة وولاة الأمور هجوماً وتشويهاً وتشكيكاً؛ ليتفرق الناس عن ولاة الأمر، ولتضعف الثقة في ولاة الأمور، وليتشكك الناس في نزاهة العلماء، وليتصل الناس بالمذاهب والتيارات والملل والنحل والفرق والأباطيل؛ ثم تصبح الأمة تعيش في حيص بيص، لا يجدون معلماً يتعلقون به، أو ثقة ينضوون تحت لوائه، هكذا يريد الأعداء يوم أن يلفقوا الأباطيل والتهم والشائعات على أعداء المسلمين.

أليس أبا جهل هو من كان في مواسم الحج خلف النبي صلى الله عليه وسلم وتارة يسبقه وتارة يلحقه وهو يقول: يا معاشر الحجاج! إن هذا ابننا، ولقد صبأ عن ملتنا، وإنه سفيه فينا ينال من عقله، وينال من سيرته، حتى يتشكك الناس في عدالته، فلا يقبلوا منه صرفاً ولا عدلاً.

وهذا الأسلوب قد فعله شياطين الإنس في هذا الزمان وقبل هذا الزمان، ومنذ ذلك التاريخ إلى يومنا هذا نالت الرافضة من سير الصحابة؛ لكي يشككوا الناس فيهم، ونال النصارى من قادة الإسلام العسكريين، وأخذوا يشككون في دوافعهم إلى الجهاد، ويشككون في أعمالهم وقيادتهم لجيوش الأمة.

واقرءوا ما كتب في سلسلة روايات تاريخ الإسلام، فمن قرأها -ومؤلفها نصراني- يحكم كل الحكم أن القادة وأن الجهاد تسيره آهات العشاق، ويحركه مطامع الأشواق، من قرأ تلك الروايات التي امتلأت تشويهاً وتحريفاً وتشكيكاً بسير قادة الإسلام، يقول: ما حرك الجيش إلا حب تلك الأميرة.

إنهم يوم أن كتبوا عن فتح محمد بن القاسم لبلاد السند، قالوا: وكان يحب الأميرة سيتا بنت الملك ذاهر، ومن أجل ذلك جَيَّش الجيش، وأعَد العُدة، وسار وعبر النهر حتى يلتقي بمحبوبته.

هكذا ينال أعداء الإسلام من الدين، لا يستطيعون أن يسبوا صحابياً، لا يستطيعون أن ينالوا من الدين مباشرة، لكنهم يستطيعون النيل من علماء الدين منذ القديم إلى هذا الزمان، فانتبهوا لذلك يا عباد الله، ولا ينبغي لمسلم أن يفتح أُذنه للشائعة والمقالة: (فبئس مطية الرجل زعموا) كيف والله جل وعلا يظهر براءة أوليائه في الدنيا قبل الآخرة {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:١٨].