للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مكيدة أبطال الشموع]

معاشر المؤمنين: إن أسلوباً خبيثاً خطيراً يدبر لأمة الإسلام في هذا الزمان، وقبل هذا الزمان، أتدرون ما هو يا عباد الله؟ إنه صناعة الأبطال من الشموع، وتشكيك الثقة في الحقائق.

أما صناعة الأبطال من الشموع فهذه ملموسة واضحة، يوم أن ترى المجلات الأجنبية والوافدة تضفي على رجل ألقاب الثقة، وألقاب العلم، وتجعله علماً ومعلماً وشخصية ومركزاً، ويجعلونه إماماً حتى يتعلق الناس فيه، وتشرئب أعناقهم إلى رؤيته، وتنطلق أبصارهم تتأمله.

وما تزال تلك الوسائل المغرضة للدين وأهله وعلمائه وولاة أمره تصنع من أحقر التافهين بطلاً عظيماً، فإذا لمع وبرز وعرفه الناس جميعاً، أخذوا فصلاً جديداً من تمثيلية أو مسرحية، فينال من قبل الأعداء نيلاً، تجدونهم وهو من أوليائهم، وهو من أذنابهم يظهرون أنهم يؤذونه، ويظهرون أنهم يتابعونه، ويظهرون أنهم ينالون منه، حتى يتأكد الناس أنه صادق وليس بعميل.

ثم بعد ذلك يطلقون سراحه من جديد، فيمسك شأناً من شئون أمة الإسلام، ثم بعد ذلك يعيث في الأرض فساداً، كيف استطاع أن ينال ثقة الجماهير والأمة يوم أن مر بدور مسرحي، وفصل تمثيلي خطير لم يكن شيئاً، ثم أظهر بين الناس، ثم لمع، ثم أصابه نوع في ظاهر الأمر بلاء، وليس في حقيقته بلاء، ثم يعود بعد ذلك مصيبة وويلاً على المسلمين.

هذا اسمه صناعة الأبطال من الشموع! والنوع الآخر والمقابل لهذا: تشكيك الناس في الثقات، يوم أن يبرز عالم من العلماء، أو أن يظهر علماء المسلمين وقادتهم وقادة الجهاد ورجاله، يوم أن يظهرون ويبرزون على الساحة، تجد ألوان التشكيك، المجاهد الفلاني كان ممن يتعاطون المخدرات، القائد الفلاني وصلت إليه سيارة فيها خمور، فلان بن فلان حصل له كذا وكذا، فماذا بعد ذلك يا عباد الله؟ في المقابل تصنع الأبطال من الشموع التي لو عرضت على حرارة الفتنة لذاب الشمع ولم يبق له وجود، وفي الجهة الأخرى الثقة العالم التقي النقي يرمى بمختلف الاتهامات، لماذا؟ حتى يشكك الناس فيه، ولا يثقوا بقوله، ولا ينتصحوا لنصحه، ولا يخلصوا الأمر له ومنه.

فيا عباد الله: اعلموا أن أمتكم مستهدفة، اعلموا أنكم مستهدفون بمختلف الأساليب وألوان الوسائل، فمن الناس من يفهمها، ومن الناس من تنطلي عليه.

يكفي اللبيب إشارة مرموزة وسواه يدعى بالنداء العالي

يا عباد الله: لقد عرفنا في بعض دول العالم الإسلامي رجالاً ممن كانوا من أهل التجارة والربح الحلال، ماذا لفق عنهم؟ ماذا قيل عنهم؟ ماذا نشر عنهم؟ إنهم يتاجرون بالمخدرات، إنهم يفعلون كذا وكذا، حتى يتشكك الناس في سيرهم وسمعتهم، وفي المقابل تخرج الرموز، ويخرج الأبطال الذين صنعوا من الشموع، فتنطلي الحيلة على السذج والغوغاء.

واعلموا -يا عباد الله- أن بلدكم هذا بحمد الله ومنته هي آخر قلعة للإسلام، وهي آخر معقل من معاقله، ويأبى الله أن يدب هذا المرض إلى رجاله أو شبابه أو علمائه أو ولاة أمره، وإن حصل شيء فهذا لا يزيد أبناء المجتمع بولاة أمره إلا تماسكاً، ولا يزيد رجاله بولاة أمره إلا التفافاً، حتى يطرد الدخيل، ويكشف العميل، وتظهر السنة، وتمحى البدعة.

هكذا ينبغي أن يعمل المسلمون يوم أن يصاب المجتمع، أو يدب إلى الأمة بداية مرض من الأمراض، فاعلموا أن هذا لا يجعلنا نفيض في القول والشائعات والتفسير والاقتراحات والآراء، كل يفسر من تلقاء نفسه، لا وألف لا، بل هذا يزيدنا في ولاة أمرنا تمسكاً، وبعلمائنا ثقة، وبمجتمعنا وحدة، حتى لا يدب الضعف إلينا.

وما قتلت أمة إلا يوم أن قتلت من الداخل، وما سلبت أمه إلا يوم أن نهبت من الداخل، وما تسور اللص جداراً إلا يوم أن وجد الأمر هيناً، وما دخل بيتا إلا يوم أن وجد الباب مفتوحاً، فلا تفتحوا ولا تشرعوا أبواب الفتنة والشائعة والقول في ولاة أمركم أو علمائكم، بل احفظوا أنفسكم: {َوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً} [النور:١٢].

يوم أن نسمع أي مقالة في واحد من ولاة أمورنا، أو علمائنا، أو رجالنا الصادقين المخلصين، فإننا والله لا يزيدنا هذا إلا إيماناً بصدقه وإخلاصه؛ لأنه ابتلي والابتلاء دليل من دلائل الصدق والإخلاص.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واخذل الشرك والمشركين، وارفع لواء الدين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.