للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط]

قد يخرج الله الحي من الميت، وقد يخرج الله الرياض الغناء من الصحاري الجدباء، عقبة بن أبي معيط الذي جاء بسلى الجزور فوضعه على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم يوم أن كان النبي في تلك اللحظة ساجداً له ابنةٌ اسمها أم كلثوم، قالت: كنت أخرج إلى بادية لنا فيها أهلي، فأقيم بها ثلاثة أيامٍ جهة التنعيم، ثم أرجع إلى أهلي ولا ينكرون ذلك، ثم إني لما أجمعت الهجرة إلى المدينة -بعد أن دخلت في الإسلام، واستقر الإسلام في قلبها- خرجت يوماً من مكة كأني أريد البادية على عادتي.

ماذا تريد يا إخوان؟ أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، تتوقعون إلى أين تذهب؟ هل تزور أحداً تتفكه، تضيع الوقت، تقضي الساعات؟ لا.

تريد أن تهاجر من مكة إلى المدينة، امرأة بنت أشقى القوم تهاجر من مكة إلى المدينة، وهذه دعوة لكل فتاةٍ في أسرةٍ كافرة، أو في أسرةٍ لا تدين بالإسلام الصحيح، أن تهجر قومها وأهلها وأن تفر بنفسها ودينها إلى دين الله، وإلى الإسلام وإلى مرضات الله جل وعلا.

قالت: ثم لما خرجت وأنا أريد اللحاق برسول الله صلى الله عليه وسلم إذ برجلٍ من خزاعة قال: أين تريدين؟ فسألته فقلت: مَنْ أنتَ؟ قال: أنا من خزاعة، قالت: فاطمأننت إليه؛ لأني أعلم أن لخزاعة عهدٌ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم -أي بين النبي وبينهم عهدٌ وميثاق، فليسوا بأعداء له- قالت: فقلت: أنا من قريش وأريد اللحاق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فسار بها وخدمها وأحسن رعايتها، وكان يجعل البعير يبرك لها ويتنحى عنها حتى تركب، ثم إذا استوت وتسترت عليه أخذ بها حتى وصلت المدينة، ثم إنها لما بلغت المدينة، دخلت على أم سلمة، فسألتها أم سلمة رضي الله عنها، قالت: فسألتني أم سلمة، فقلت: أنا فلانة هاجرت إلى الله ورسوله، فقالت أم سلمة: هاجرت إلى الله ورسوله؟!! أهلاً بكِ يا أخية، وأثنت عليها والتزمتها وقبلتها، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل وسأل قالت له أم سلمة: هذه أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، فتكلمت أم كلثوم قالت: إني خائفة أن يردني رسول الله كما رد أبا جندل وأبا بصير؛ لأن بين النبي عهدٌ وميثاق أن من خرج من مكة إلى المدينة أن يرده النبي إلى أهل مكة، فرحب بها النبي صلى الله عليه وسلم، وللقصة بقية شاهدها: امرأة تهاجر فراراً بدينها لوجه الله ولحاقاً برسول الله صلى الله عليه وسلم.