للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مقدمة في حديث (سبعة يظلهم الله)]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم رب جبرائيل وميكائيل، رب كل شيء ومليكه، فاطر السماوات والأرض اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

أيها الأحبة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله جل وعلا أن يجزل لكم المثوبة وحسن الجزاء على حضوركم، وأستميح أخي المقدم جزاه الله خير الجزاء على قوله: إن لنا فضلاً عليكم، لا والله، بل الفضل لكم بعد الله جل وعلا، إن الفضل ليس للقائد على جنوده، بل الفضل للجنود الذين جعلوا منه قائداً، وإن الفضل ليس للمدرس وحده أو للعالم وحده على تلاميذه، بل لهم فضلٌ أن اجتمعوا حوله واجتمعوا له حتى جعلوا منه إماماً ومعلماً.

ونحن وإياكم في هذه المحاضرات لعل الله جل وعلا أن يجزل لنا ولكم المثوبة كما أسلفت، لولا حضوركم لما جئنا، ولولا إنصاتكم لما تكلمنا، فنسأل الله جل وعلا أن يجعل الكلام منا والسماع منكم، والمجيء منا والقدوم منكم خالصاً لوجهه الكريم، كما نسأل ألا يجعله هباءً منثوراً، نسأل الله ألا يجعل أعمالنا وإياكم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، نسأل الله جل وعلا ألا يجعل أعمالنا وإياكم كرماد اشتد به الريح في يوم عاصف.

وأشكر لأخي فضيلة الشيخ/ عبد الله الصميعي إتاحة هذه الفرصة مع مندوب مركز الدعوة والإفتاء والإرشاد في هذه المنطقة لتنظيم هذه المحاضرة، فنحن وإياكم بأمس الحاجة إلى أن نجلس في بيوت الله، والله لو لم يكن من المحاضرات إلا أن تكتب ملائكة الحسنات لنا أنا مكثنا برهة من الزمن في بيوت الله جل وعلا، وغشيتنا الرحمة وحفتنا الملائكة ونزلت علينا السكينة، لكان في هذا خير عظيم، وإن كان هناك مزيد من فائدة أو علم أو حكمة، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

أيها الأحبة في الله: أما موضوعنا فهو كما تفضل أخونا الشيخ هو نظرات في حديث عظيم جامع اتفق الشيخان على صحته "نظرات في حديث سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله" هذا الحديث رواه البخاري في مواضع عدة، ورواه الإمام مسلم، ورواه بعض أهل السنن، ورواه الإمام أحمد، ورواه مالك في الموطأ، وشهرة هذا الحديث أعظم من أن يعرف أو أن يعنون، وحسبكم أن عليه تاج الوقار، وقد جاوز القنطرة، ورواه الشيخان رحمهما الله رحمة واسعة.

في البخاري: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا يحيى عن عبيد الله، قال: حدثني خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال -وفي رواية: ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال- فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق -في رواية: بصدقة أخفاها- حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه).

في هذا الحديث العظيم فوائد شتى ومسائل منثورة، ولعلكم تستفيدون من هذا الحديث أكثر مما استفدته من خلال ما بحثت وطالعت (فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه، ورب مبلغ أوعى من سامع).

أيها الأحبة في الله: قال العلماء: هل الثواب مخصوص لهؤلاء السبعة؟ أي: هل هؤلاء السبعة وحدهم هم الذين يكونون في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله؟ أجاب ابن حجر العسقلاني رحمه الله في كتابه وسفره العظيم الجامع المانع فتح الباري حيث قال: والظاهر أنه لهؤلاء السبعة، وقيل: بل لغيرهم، وقال ابن حجر: وناظرت فلاناً -وسماه- في مجلس أحد الخلفاء، وكان يذكر أنه يحفظ صحيح مسلم، قلت له: هل تحفظ شيئاً يدل على أن غير هؤلاء السبعة يكونون في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله؟ فقال: لا.

فبينت له أن الإمام مسلماً رحمه الله روى في صحيحه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله).

وابن حجر رحمه الله قال عن نفسه: تتبعت مواضع شتى لمعرفة هل هذا الفضل مخصوص بهؤلاء السبعة، فوجدت هذا الفضل قد أعد لهم وأعد لغيرهم، منه ما هو في أحاديث صحاح، ومنه ما هو في أحاديث بعضها يقوي بعضاً، ومنه ما هو في أحاديث ضعيفة.

قال أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل ينظم هذا الفضائل التي من شأنها أن يكون فاعلها أو المختص بها من الذين في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله:

وقال النبي المصطفى إن سبعةً يظلهم الله الكريم بظله

محبٌ عفيفٌ ناشئٌ متصدقٌ وباكٍ مصلٍ والإمام بعدله

قال ابن حجر: وزدت على هذه الأبيات ما قلت فيه:

وزد سبعةً إظلال غازٍ وعونه وإنظار ذي عسرٍ وتخفيف حمله

وإرفاق ذي غرمٍ وعون مكاتبٍ وتاجر صدقٍ في المقال وفعله

أيها الأحبة: قال ابن حجر بنص كلامه: وقد تتبعت الأحاديث الواردة في مثل ذلك، فزادت على عشر خصال، وقد انتقيت منها سبعة وردت بأسانيد جياد، ونظمتها تذييلاً على ما ذكر أبو شامة، وهي التي سمعتموها آنفاً.

قال بعض أهل العلم: ونقله ابن حجر عن الكرماني، وذكر الكرماني ما محصله أن الطاعة أو أن العبادات التي وردت في هذا الحديث إما أن تكون بين العبد وبين الرب، وإما أن تكون بين العبد وبين الخلق، فأما العبادات التي بين العبد وبين الرب فهي عبادة باللسان وهي عبادة الذكر، أو عبادة بالقلب وهي تعلق القلب بالمساجد، أو عبادة بالبدن هو بدن الناشئ في العبادة، وإما أن تكون تلك العبادة مرتبطة بين العبد وبين الخلق وهي في أمر عام في الإمام العادل، وفي أمر خاص بالقلب وهو التحاب، أو بالمال وذلك جلي في الصدقة، أو في البدن وهذا واضح في العفة.