للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإمام العادل وسبب تخصيصه في الحديث]

أما الخصال التي وردت في هذا الحديث، فأولها: إمام عادل.

وهل تدخل المرأة في هذه الخصلة؟ قال ابن حجر: لا تدخل المرأة، لأن المرأة لا تلي الإمامة العظمى، وقال بعضهم: قد تكون المرأة من أهل هذه الخصلة إذا كانت ذات عيال وعدلت بين أبنائها في المعاملة.

الحاصل أن الإمام العادل في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله، وأين الإمام العادل؟ الإمام العادل هو الذي يتبع أمر الله بوضع كل شيء في موضعه من غير إفراط ولا تفريط، والإمام العادل هو الذي ما يلي شيئاً من أمور المسلمين إلا وينتهج منتهى العدل فيه، والإمام العادل هو الذي يجعل القوي الأمين في خير مكان يناسبه، والإمام العادل هو من إذا رأى في المسلمين كفؤاً ومن رأى في المسلمين أهلاً أن يولى ولاه ولو كان بعيداً أو قريباً، ولو كان نسيباً أو وضيعاً؛ لأن مصلحة المؤمنين تتعلق بهذا الأمر.

لماذا كان الإمام العادل من الذين خصوا بهذه المنقبة؟ لأن الإمامة فيها السلطة والقدرة، وكثيرٌ ممن يلون السلطات ويقدرون على رقاب الناس، يقع منهم الظلم والعدوان والبغي وأكل أموال الناس بالباطل، ولذلك لما كان الإمام والياً وقادراً ومتنفذاً ومتسلطاً وتحت يده ما يشاء من أموال الناس، وما يشاء من الجند والعسكر الذين يأتمرون بأمره فيما يشاء في رعيته أو في من دونه، كان عدله منقبة عظيمة؛ لأن من ترك شيئاً وهو يعجز عنه لا فضل له في ذلك، حينما تقول: هذا رجل ضعيف لا يظلم، فإن كونه متصفاً بعدم الظلم، أو كون هذا الضعيف عادلاً ليست بمنقبة؛ لأنه ضعيف لم يلِ رقاب أحد ولم يلِ أموال أحد حتى يعدل أو لا يعدل أو حتى يظلم أو لا يظلم، ولكن الذي ولي شيئاً وتحت يده المال والسلطان والقوة والجند والعسكر حينئذٍ يكون عدله منقبة ويكون لعدله مزية.

وهذا يذكرنا بما أفاض فيه العلامة الشيخ/ محمد بن عثيمين في رسائل في العقيدة حيث قال: والقاعدة الثانية في مسألة الصفات: نفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم مع إثبات كمال ضده؛ لأن الإنسان قد ينفى عنه الصفة وليس نفي الصفة عنه مدحاً أو كمالاً في جانبه، قال: لماذا؟ لأنه ربما نفيت الصفة عنه لعجزه أو لعدم قابليته أو لامتناع ذلك عليه، كأن تقول: هذا عمود لا يظلم، فكونك تنفي الظلم عن هذا العمود ليس ثناءً عليه وليست منقبةً له؛ لأن العمود لا يمكن أن يصدر منه عدل ولا ظلم، ولكن حينما تقول لمن هو قادر على البطش ومن هو جبار وقوي، ومن بيده المال والسلطة، تقول: هذا قادر ولكنه لا يظلم، حينئذٍ يكون نفي صفة الظلم عنه كمالاً في جانبه.

ولهذا نقول: ننفي ما نفى الله عن نفسه مع ثبوت كمال ضده، فإذا نفينا عن الله صفة الظلم، فإننا نثبت لله كمال ضدها وهو كمال العدل، ومنه قول الشاعر:

قبيلةٌ لا يغدرون بذمةٍ ولا يظلمون الناس حبة خردل

فإن هذه ليست مديحة لهذه القبيلة، وليست منة أو مزية لهذا القبيلة، لأنها قبيلة صغيرة، فقوله: لا يغدرون بذمةٍ ولا يظلمون الناس حبة خردل، قوله هذا فيهم ليس مدحاً لأنهم عاجزون وضعفاء.

ثم بعد ذلك الإمام العادل من يتفقد رعيته، والإمام العادل من يخشى الله فيهم، والإمام العادل من يراقب الله في كل ما يأتي ويذر، وللإمام على رعيته حقوق: أن يدعى له بظهر الغيب، وأن يدعى له بصلاح البطانة، وأن يدعى له بالسداد في القول والفعل، وأن يدعى له بحسن النية والفعل والمقصد، وأن يحرص على جمع شمل الأمة حوله، وعدم تشجيع الخارجين والبغاة ومن يريدون باستقرار بيضة الأمة انكساراً أو تشتتاً، هذا من حقوق الإمام العادل، إذ أن الإمام العادل له حقوق وعليه واجبات.