للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من لوازم المحبة]

إن من حقيقة الحب في الله: أن تحفظ عرض أخيك في غيبته، ألا تغتابه، ألا تنم عنه، ألا ترضى فيه بمكروه، ألا يشذب أو يجرح أو ينشر جلده بكل ساقط ورديء في المجلس وأنت ساكت، إن من الحب في الله أن تكون داعياً له بظهر الغيب، وهذه المحبة يؤجر الإنسان عليها يوم أن يحققها، جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله! متى الساعة؟ -عجيب سؤال البدو! عجيب سؤال الأعراب! عجيب سؤال أهل البادية! قال الصحابة: كنا نفرح إذا جاء أعرابي إلى مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يسأل العجائب، وهذا ليس بغريب- جاء الأعرابي ذلك البدوي رضي الله عنه، قال: يا رسول الله! متى الساعة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: وماذا أعددت لها؟ -هذا جواب الحكيم: أن تصرف السائل إلى إجابة تنفعه- قال صلى الله عليه وسلم: ماذا أعددت لها؟ فقال: يا رسول الله! ما أعددت كثير عمل، ولكني أحب الله ورسوله ويوم أن قال (أحب) هو يعني هذه الكلمة، ويعرف أبعاد هذه المحبة ويعرف حقيقتها.

جهد الصبابة أن تكون كما أرى عين مسهدة وقلب يخفق

أرق على أرق ومثلي يأرق

عين مسهدة تدعو لإخوانك بظهر الغيب، تتذكر إخوانك في الله، إذا نأوا دعوت لهم بالحفظ، وإذا دنوا دعوت لهم بدوام اجتماع الشمل، قلبك يخفقك عليهم حباً وشوقاً إليهم، هذه المحبة حينما تكون لله، فإنها تزداد حينما ترى من أخيك زيادة في الطاعة، دليل الحب في الله إذا أردت أن تعرف نفسك هل أنت تحب في الله أو لا تحب في الله، وهل دعواك صادقة أنك تحب فلان بن فلان في الله ولله، انظر إلى نفسك فإذا رأيته يزداد في العبادة ازداد حبك له، فهذا دليل المحبة الصادقة في الله، وإذا رأيت انحسار العبادة عنه وضعفه وكسله وابتعاده عن العبادة قلَّتْ محبتك له، فهذا دليل محبتك الصادقة لله وفي الله، لما كانت لله زادت محبتك يوم ازداد في طاعة الله وقلَّتْ محبتك يوم قلت أو انحسرت أو انقطعت عبادته لوجه الله جل وعلا.

أما المحبة التي تزعم في هذا الزمان وهي محبة الجسوم والرسوم، ومحبة الصور والوجوه، وانسجام الناس لأهواء أو لعرق خفي في النفوس لا يعلمه إلا الله جل وعلا، ويدعي بعضهم محبةً في الله الله أعلم بصدقها فتلك محبة المرضى، تلك محبة السقم، تلك محبة البلاء، تلك محبة بداية الانحراف.

فما في الأرض أشقى من محبٍ وإن وجد الهوى حلو المذاق

تراه باكياً في كل وقتٍ مخافة فرقةٍ أو لاشتياق

فيبكي إن نأوا شوقاً إليهم ويبكي إن دنوا حذر الفراق

هذه محبة الجسوم والرسوم، أما الحب في الله، فإذا فارقت أخاك وقد قتل شهيداً في سبيل الله ازداد حبك له، وتطايرت شوقاً أن تقتل في سبيل الله كما قتل، وإذا سبقك إلى عبادة أو إلى حفظ قرآن أو إلى وعي السنة أو إلى الدعوة إلى الله، تطاير قلبك فرحاً أن أخاك بلغ هذه المنزلة وأدرك هذه المنقبة: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين:٢٦] وكما في الحديث: (المتحابون في الله على منابر من نور يغبطهم الأنبياء والشهداء بمجالسهم من الله يوم القيامة، أما إنهم ليسوا بأنبياء ولا شهداء، ولكن يغبطهم الأنبياء والشهداء بمنازلهم من الله، قال الصحابة: من هم يا رسول الله؟ قال: المتحابون في الله) والحب في الله عبادة عظيمة.

والله -يا معاشر المؤمنين! يا معاشر الطيبين! يا معاشر الأكرمين! - إنا نحبكم في الله، ونسأل الله جل وعلا أن يجمعنا بكم في الجنة، وإننا ما نذكر عملاً نرجو أن نلقى الله به إلا توحيده وحده لا شريك له عسى ربنا أن يسلم لنا توحيدنا ما غيرنا وما أشركنا وما بدلنا، ثم محبتكم لله وفي الله ودليلنا وبرهاننا وبينتنا على ذلك أننا نفرح يوم أن قيل فلان بن فلان استقام، أو فلان الذي استقام حسنت استقامته، أو فلان نبشرك أنه حفظ القرآن، أو فلان دعا إلى الله ووفقه الله، أصبح نشيطاً في حيه، أصبح داعية بين زملائه، هدى الله زملاءه في العمل على يده، نفع الله به بين زملائه والموظفين من حوله، حينئذٍ نفرح ونعلم أن فرحنا به دليل محبتنا لله وفي الله.