للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رجل تصدق بصدقة فأخفاها]

والسادس من الثلة الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله: رجل تصدق بصدقة، أو تصدق فأخفى -كما في نص حديث البخاري - حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه.

والمقصود: حتى لا يعلم الناس الذين من حوله، وبعض الناس أو كما ذكر أن بعضهم كان لا يفقه الحديث فكان إذا أراد أن يتصدق أدخل يده اليسرى في جيبه ثم أدخل المال يمده هكذا يظن أن الشمال تنظر إلى اليمين فحينئذ يخبئها في جيبه أو في داخل معطفه أو كوته، وليس هذا هو المقصود، إنما المقصود أن صدقته خفية لا يعلم بها الناس، يتحرى فيها أوقات السر، ولا يريد الإعلان بها خلافاً لما نسمع عن بعض الذين يتصدقون اليوم وغداً، نرى الجرائد قد امتلأت أن فلان بن فلان تصدق بمليون ريال على كذا وعلى كذا وعلى كذا.

إن خير الصدقة ما كان سراً لوجه الله جل وعلا، وإن خير الصدقة ما كان يرجى به وجه الله، هب أن الناس علموا بصدقتك هل يقبلونها منك؟ هل يرفعونها إلى السماء؟ هل يخرجونك من النار؟ هل يدخلونك الجنة؟ وهب أن الناس لا يعلمون إن عدم علم الناس أقرب إلى إخلاصك وأتقى لقلبك، وأقرب منك إلى ربك، وأدعى إلى ثباتك، وأحوط ألا يصيبك العجب فيما أنت فيه، فاحرص على ذلك أخي الكريم.

ولعل كثيراً من الذين يشاهرون ويدعون ويظهرون ما يفعلون من دعوى الصدقات في الجرائد والمجلات وغيرهم، لعل الكثير منهم لا أقول كلهم؛ لعل بعضهم ممن يسرق من هذا ويعطي هذا، نعم.

بعضهم يرابي، والربا من قوت المساكين والضعفاء، بعضهم يرتشي، بعضهم يأخذ أموالاً ليست من حلها ثم يصرفها هنا.

بنى مسجداً لله من غير كسبه فكان بحمد الله غير موفق

كمطعمة الأيتام من كد فرجها لك الويل لا تزني ولا تتصدقي

وفي مسند أحمد من حديث أنس بسند حسن مرفوعا: (إن الملائكة قالت: يا رب! هل من خلقك شيء أشد من الجبال؟ قال: نعم.

الحديد، قالت: فهل أشد من الحديد؟ قال: نعم.

النار، قالت: فهل أشد من النار؟ قال: نعم.

الماء، قالت: فهل أشد من الماء؟ قال: نعم.

الريح، قالت: فهل أشد من الريح؟ قال: نعم.

ابن آدم يتصدق بيمينه فيخفيها عن شماله) وهذا كلام موصول بالسادس من أولئك الذين يظلهم الله في عرشه يوم لا ظل إلا ظله، ألا وهو الذي تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه.

وقال بعض أهل العلم: يحتمل أن يكون هذا رجل يشتري من فقير وضعيف متكسب فيعطيه أكثر من سلعته، أو يتقصده بالشراء منه لكي يعينه على أسباب الكسب، وهذا جميل جداً، إذ ليس من شرط الصدقة أن تكون هكذا من دون مقابل، مثال ذلك: أنت حينما تعرف رجلاً فقيراً معدماً، أو رجلاً مسكيناً ويبيع سلعة مباركة أو سلعة ميسرة من أدنى السلع ويبيعها بعشرين ريالاً، فتأتي أنت وتشتري منه واحدة من هذه السلع وتعطيه أربعين ريالاً أو تعطيه خمسين ريالاً وتذهب، أنت بهذا تعينه على الاستمرار في الكسب، واشتريت منه إعانة له، وما زاد عن قيمة السلعة هو صدقة، وهذا من أفضل أنواع الصدقة أيضاً، هو من خير ما يتصدق به العبد بإذن الله جل وعلا.

الحاصل: فلنحرص -يا إخواني- على صدقة السر كما في هذا الحديث: إن مما هو أشد من الجبال والحديد والنار والماء والريح وغيرها الصدقة يتصدقها ابن آدم في السر فلا تعلم شماله ما تنفق يمينه.