للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حقيقة الموت]

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد: عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:١].

معاشر المؤمنين! معاشر الأحبة: هناك مدخل رئيسي، وهناك حقيقة لابد من طرحها، وقضية لابد من مواجهتها، قضية لابد أن نواجهها نحن، لابد أن يواجهها كل واحد في هذا المسجد، ولابد أن يواجهها كل مسلم وكافر، كل بعيد وقريب، كل ذليل وحقير، كل عزيز وأمير، كل صعلوك ووزير، إنها حقيقة الموت.

هي نهاية المطاف، هي خاتمة الدنيا، كل البشرية تشهد وتعلم وتنطق أن نهايتها هي الموت، وأن منتهى الطريق بالنسبة لها هو الانقطاع عن هذه الدنيا، انقطاع النفس، وانقطاع الروح، وانقطاع الجوارح، فالعين لا تبصر، واليد لا تتحرك، والأذن لا تسمع، والنَّفَسُ لا يجري، والدماء لا تتحرك، والشرايين لا تنبض.

إنها النهاية الأخيرة التي يواجهها ويقف أمامها كل صغير وكبير، كل بعيد وقريب.

وكثيراً ما سمعنا بشباب كانوا في غفلة وبعد، كانوا في قسوة وجفاء وغلظة، كانوا في قطيعة وعقوق، بعضهم يشهد ويقر على نفسه، يقول: ما ركعتها في المسجد مع الجماعة، وبعضهم يقول: ما جانبت كأس الخمر مرة.

وبعضهم يقول: ما سافرت إلا واقعت الفاحشة.

فإذا به في يوم من الأيام تجده باكياً خاشعاً، ساجداً راكعاً، سبحان مقلب القلوب والأبصار! من الذي غير هذا؟ من الذي بدل أحواله؟ إنه الله جل وعلا، ولكن كيف السبب؟ ما هو السبيل؟ وأي طريقة وصلت إلى قلبه؟ قدر الله على الكثيرين منهم أن يقفوا مشهداً ماثلاً حقيقياً لا محيص ولا مناص عنه، قدر الله للكثير منهم أن يقفوا أمام حقيقة الموت وهم بأم أعينهم وأمهات أبصارهم يشهدون صديقاً أو حبيباً أو قريباً، ولا ينفع طبيبهم، ولا يجدي نحيبهم.