للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المحاسبة بين يدي الله عن الأوقات والأعمار]

روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله ديناراً ديناراً درهماً درهماً، من أين اكتسبه وفيما أنفقه) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

فيا ليت شعري من أعد منا لهذا السؤال جواباً؟ الناس أمام هذا الأمر مذاهبهم شتى، أجوبتهم متباينة، منهم من أفنى عمره في الدنيار والدرهم الزائل والحطام الفاني، أبلى شبابه في مضاعفة ما جمع بأي سبيل وعبر أي وسيلة، قد أفنى عمره في الغفلة والكسل، واللهو والعبث، قد غره التسويف مع طول الأمل، أما العلم فلم يبال بالعمل بما علمه، أو تعلم ما جهله، بل إن منهم من جعل ذلك وراءه ظهرياً، أما المال فإن الكثيرين لم يألوا جهداً في اكتسابه من أي طريق حل أو حرم، ما دامت البضاعة تزجي لهم ربحاً، وتسح المال عليهم سحاً، فتركوا فرائض ربهم، ونسوا أمر آخرتهم، ولم يزل ذلك دأبهم حتى خرجوا من الدنيا مذمومين مدحورين مفلسين من الحسنات والأعمال الصالحات، فاجتمعت عليهم سكرات الموت، وحسرات الفوت، وهول المطلع، فيندم الواحد منهم على تفريطه، يوم لا ينفعه الندم، وبعد أن زلت به إلى الموت القدم: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} [الفجر:٢٤ - ٢٦] ومنهم من ربح عمره وتزود فيه لآخرته، أفنى عمره في طاعة ربه، والتزم بشرائع دينه، وأبلى شبابه في مجاهدة نفسه من دونه، فعلم وعمل وصبر وصابر، واكتسب المال من حله وأنفقه في محله، فهنيئاً له النجاح والفوز والفلاح، يقال له عند ختامه: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:٢٧ - ٣٠].

أسأل الله أن نكون وإياكم أجمعين من أولئك، ومن كان حاله كذلك فليسأل الله الثبات وليلزم، ومن كان غير ذلك فليبادر إلى التوبة ما استطاع.

وما المرء إلا راكب ظهر عمره على سفر يفنيه باليوم والشهر

يبيت ويضحي كل يوم وليلة بعيداً عن الدنيا بعيداً عن القبر

تأملوا فناء الأعوام، وتجدد الأيام، تأملوا ذلك يا عباد الله، وليكن لكم فيه عبرة.

أشاب الصغير وأفنى الكبير مر الغداة وكر العشي

إذا ليلة أهرمت أختها أتى بعد ذلك يوم فتي

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.