للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من كانت الآخرة همه أتته الدنيا وهي راغمة]

أيها الأحبة في الله: من كانت الآخرة همه جمع الله شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا راغمة، هذه الدنيا شأنها عجيب، إن لحقتها فرت عنك، وإن أعرضت عنها لحقتك، وهذا والله مجرب، واسأل كثيراً من الصالحين أو ممن عملوا في الدين والدنيا، يقولون: إن اشتغلنا بدنيانا أدبرت عنا ولحقناها فأشغلتنا، وتبعناها فضيعت أوقاتنا، فإذا أعرضنا عنها لأمر الآخرة إذ بألوانها وعروضها تحوم حولنا وتتزخرف لنا تتراقص طرباً بين نواظرنا علنا أن نعود إليها من جديد، فالعاقل يقبل إلى الآخرة وستأتيه الدنيا راغمة.

إن الدنيا من الله والآخرة إلى الله، ومن طلب الآخرة فإن الله يبعث له الدنيا ويرسلها، ومن اشتغل بدنياه التي قسمت وفُرِغ من شأنها، وطوي الكتاب في صحائفها، وجف القلم بالزائد والناقص منها، من طلب الدنيا في أمر قد قسم وانتهى فذلك مشغول بما فرغ منه، ومن طلب الآخرة فيما له حظ في كل زيادة يحققه فيها جعل الله الدنيا تابعة لاحقة.

أذكر شخصاً من علماء المسلمين الذين أفضوا إلى ربهم ولا بأس أن أذكره فقد أفضى إلى ربه عز وجل، ذلكم هو الشيخ عبد العزيز بن ناصر الرشيد الذي كان رئيساً للتمييز وقبله للإفتاء ومن العلماء الأجلاء المعروفين، وله من الكتب والمصنفات شيء كثير، وقد أدركته في آخر حياته، يقول: كنت في بداية عمري فقيراً لا أجد إلا قيمة الحبر والقمطر، لا أجد إلا قيمة القلم واللوح وشيء من البلغة في طلب العلم، قال: وفي يقيني أن الله جل وعلا سيفتح علي من الدنيا ما يزيد عن حاجتي وحاجة أهلي، ثم يحدثني ويقول: وأنا الآن أجد حولي من الدنيا شيئاً كثيراً أضعاف أضعاف ما كان يخطر ببالي، قال: كنت مشغولاً بطلب العلم وكنت مشغولاً مع الإخوان في بيت الإخوان في مدينة الرياض بطلب العلم والتدريس والمناقشة، كنت آنذاك فقيراً، أو قليل ذات اليد، وفي يقيني أن الدنيا ستأتي، قال: فما هي إلا سنوات حتى أتت الدنيا من كل جانب، أسأل الله أن يجمعنا به في الجنة، وأن يتغمد روحه وأن يسكنه الجنان بمنه وكرمه.