للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحزن لأجل الآخرة]

فأولها: الحزن لأجل الآخرة، فترى الشخص منهم يحزن إن أذنب ذنباً، المؤمن يرى ذنبه كجبل يوشك أن يقع على رأسه، وأما المنافق وأصحاب هم الدنيا فإن الشخص منهم يرى الذنب كذبابة وقعت على أنفه فقال بها هكذا، وأشار بيده حول أنفه فطارت، تجد الواحد منهم لا يفرق بين أن يدخل مسجداً أو يخرج إلى ملهاة، إذا وجدت قلبك يستوي عند الدخول في مكان طاعة أو في مكان معصية، وخروج من مكان طاعة وخروج من مكان معصية، فاعلم أن هذا قلب من قلوب الهالكين، ما لم يتداركه الله بتوبة ورحمة.

من صفات أصحاب هم الآخرة الحزن: فيحزن إن فاتته صلاة الفجر، ويجد أثر ذلك في صبيحته وضحاه وسحابة يومه، ويحرص على أن يعوض ما فاته من الفجر في بكور ومبادرة إلى الصلوات الأخرى، بل ربما دخل المسجد قبل الأذان ليعوض ما فات في صلاة الفجر، تجده حزيناً قلقاً، تجده كئيباً، لماذا؟ لأن صلاة الفجر فاتته، أو تجده حزيناً لأنه قارف ذنباً من الذنوب، حتى يأتي بحسنة تمحوه: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:١١٤].

قال مالك بن دينار: إن القلب إذا لم يكن فيه حزن خرب، كما أن البيت إذا لم يسكن خرب، وتعلمون أن البيوت التي لا تسكن سرعان ما تأوي إليها الهوام والخشاش، وسرعان ما تخرب بل ربما تعودها الناس مكاناً لقضاء الحاجة ورمي المخلفات، والقلب إذا لم يساكنه حزن على فوات طاعة، وحزن على اقتراف معصية، وحزن على فوات أمر من أمور الخير، فإن ذلك القلب يكون خرباً بقدر ما فاته من الحزن، وبقدر حزنك وهمك للآخرة يتحقق فيك بإذن الله صفة الاهتمام بالآخرة.

تأمل -يا أخي- إذا كانت نفسك لا تحاسبك ولا تلومك ولا تعاتبك في فعل معصية أو زلة أو هفوة، فعالج قلبك وانظر أنك إذا أصابتك علة في رجل أو يد أو حاسة أو جارحة بادرت إلى المستشفى بالكشف والتحليل والإشاعة والتشخيص، ولكن القلب إذا مرض لا تعالجه، أفلا يهمك قلبك كما يهمك بدنك؟! قال ربنا عز وجل: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [القيامة:١ - ٢] قال الحسن البصري: [هي والله نفس المؤمن] لا ترى المؤمن إلا يلوم نفسه: ما أردت بكلامي، ما قصدت بطعامي وشرابي؟ أما الفاجر فلا يحاسب نفسه أبداً.

نعم.

إن القلوب إذا ران عليها الذنوب أصبحت لا تعرف معروفاً ولا تنكر منكراً.

من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام