للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الخيانة وأثرها على الإسلام]

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، عضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك.

معاشر المؤمنين! إن أعداء الإسلام في القديم والحديث جربوا ألوان الفتك والاعتداء على المسلمين، لكنهم علموا أن أفشل الأساليب وأقلها نجاحاً هو العدوان العسكري على أمةٍ الإسلام، إذ أن المسلم بطبيعته يوم أن يفاجأ بعدوانٍ ويقابل بقوة ينعكس رد الفعل بالنسبة له وليس انطلاقه انعكاساً لردود فعلٍ، بل هو عقيدةٌ تصقل بهذه المفاجأة، فينطلق من طوره الذي هو فيه أياً كان ذلك الطور؛ طور غفلةٍ أو لهوٍ أو غير ذلك، فتنتبه نفسه لهذا العدو المحيط به، فينطلق شجاعاً باسلاً لكي يرد العدوان عن أرضه وعن بلاده وعن عقيدته وعن المسلمين أجمعين، فمادام الأعداء جربوا هذا الأسلوب وأدركوا فشله طوال حروبٍ صليبيةٍ بلغت ثمان حملات، وطوال سنين طويلة جربوا فيها ألوان الأسلحة الفتاكة وغيرها، ظهر مفكرٌ مجرمٌ من مفكري البريطان وقال: إن المسلمين لا يجدي فيهم هذا الأسلوب إنما ينفع فيهم أسلوب بطيءٌ لكنه مؤكد، أتدرون ما هو؟ إنه أسلوب الغزو الفكري، قتل الغيرة، وإماتة الشيم، وتكسير الحياء، واهتمام كل فردٍ بنفسه، واعتناء كل إنسان بمادته الشخصية بعيداًً عن ملاحظة أمور المسلمين عامة.

إنه أسلوب بطيء، لكنه فعال، ولما اجتمع القس صموئيل زويمر في القاهرة (سنة:١٩٣٧م) بمجموعة من الرهبان والنصارى وأخذوا يستعرضون جهودهم في تنصير المسلمين كلٌ يعرض جهوده، ثم يقول: لكن مجموعةً منهم عادوا إلى إسلامهم بعد أن تنصروا، وطائفة تقول: إنهم لم يثبتوا على النصرانية مدةً يسيرة، فقال ذلك المجرم: معاشر القسس والرهبان لم تعرفوا حقيقة التنصير أو التبشير، إن حقيقة الأمر أن نخرج المسلمين من دينهم، وليسوا بعد ذلك بأهل أن ينالوا شرف الدخول في النصرانية.

هذا أمر واحد، الأمر الثاني: إنه لا يقطع الشجرة إلا غصنٌ منها، قالوا: وكيف ذلك؟ قال: لا تنفروا جهودكم مبعثرةً هكذا، لكن انتقوا عيناتٍ وأفراداً تلتمسون فيهم النمو والذكاء والحركة والنشاط فنصروهم وغيروا عقائدهم، ثم بعد ذلك دعوهم يعيثون في أرضهم فساداً وهم يكفونكم مؤونة التنصير في بلادهم.

هذا مثلٌ نضربه لكي نبين مصداق حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن الله جل وعلا تكفل لأمته ألا يهلكهم بسنةٍ عامة وألا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم، من خارج أرضهم وبلادهم، وسأله ألا يجعل بأسهم بينهم شديداً فقال: (يا محمد! إني إذا قضيت فضاءً فإنه لا يرد) عند ذلك نعلم أنه إذا قام واحدٌ من صفوف الأمة يتكلم بلسانها، ويلبس ثوبها وهو من بني جلدتها، وقد تبنى فكراً غربياً أو مبدأً شرقياً، أو فتنةً هدامة، فإن أثره يكون أبلغ في إفساد صفوف الأمة، وفي تفريق وحدتها، وفي كسر شتاتها المجتمع.

أيها الإخوة: من هذا المبدأ غزيت أمة الإسلام، يوم أن ظهر أفرادٌ أو فئامٌ يتكلمون بألسنتنا، ويلبسون مثلما نلبس، جلودهم جلود الضأن، وقلوبهم قلوب الذئاب، وبين تارةٍ وتارة تخرج فكرةٌ دخيلة، أو مبدأٌ غريبٌ على صفوف المسلمين وبمثل أولئك يدخل الفساد ويدخل الضلال في أمة المسلمين، وصدق ذلك المجرم المبشر: إنه لا يكسر الشجرة إلا غصنٌ من أغصانها.

فالله الله يا عباد الله: اعلموا أن أمم الكفر والضلالة لو اجتمعت على أمتكم فلن تستطيع أن تهلكهم، إن أمة الكفر والضلالة لو أرادوا بكم ما أرادوا لن يستطيعوا أن ينالوا منكم شيئاً، إلا إذا نال بعضنا من بعض، إلا إذا خان بعضنا الأمانة، إلا إذا فرطنا فيما أمر الله به، إلا إذا تسلط بعضنا على بعض، إلا إذا توجه النقد والتجريح البذيء من بعضنا إلى بعض، وتركنا الأعداء يأكلون لحومنا ويفتكون بإخواننا، ويتسلطون على مقدساتنا، ويتقدمون مستوطنين في أراضينا، عند ذلك معاشر المسلمين لا تسألوا عن هلكة الأمة، فكأنما هي عقدٌ قد انقطع نظامه فتتابعت حباته.

معاشر المؤمنين! لولا الخيانة في صف من الصفوف ما دخل الأعداء إلى ذلك الصف، لولا التهاون في ثغرةٍ من الثغور ما تسلط الأعداء على ذلك المجال.

إن سبيل الوحدة والقوة هو أن نجمع القلوب أولاً ما دام إلهنا واحد، وكتابنا واحد، ونبينا واحد، وقبلتنا واحدة، ونصلي كل صلاةٍ خلف إمام واحد، علمنا الإسلام أن نجتمع، علمنا الإسلام الوحدة، فلا بد أن نتحد في جميع أمورنا، نصوم شهراً واحداً، ونقف بعرفة في يومٍ واحد، وفي الحج نلبس زياً واحداً.