للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تأويل الخضر لقتل الغلام]

كذلك: {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً} [الكهف:٨٠] كان الغلام الذي قتله الخضر غلاماً فتياً، وكان كافراً، وكان أبواه مؤمنين فعلم الخضر بعلم الله الذي علمه الله إياه، ووحي الله الذي أوحاه إليه أن يقتل هذا الغلام؛ لأن قتل الغلام أهون من الكفر، والفتنة -أي: الكفر- أشد من القتل: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة:١٩١] {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة:٢١٧] فكان من عين حكمة الله جل وعلا أن قتل الغلام، وهو قتل نفسٍ وإزهاق روحٍ فيه مصلحة عظيمة، أن يدفع الكفر عن الوالدين، عن الأم والأب، ظاهر الأمر مصيبة، ظاهر الأمر داهية، ظاهر الأمر مدلهمة، لكنه في حقيقته عين رحمة الله، وعين لطف الله بهذين الوالدين.

إذاً يا عباد الله! لا نعجب من ظواهر الأمور وما فيها من القضاء والقدر؛ فإن الله جل وعلا يجري على عباده ألواناً من القضاء والقدر وفي ذلك مصالح عدة وفوائد جمة يجهلها كثيرٌ من الناس فيسخطون على قضاء الله وقدره، ويتضجرون من تدبير الله، ويدعون بالويل والهلاك والثبور، وقد جهلوا أن الله الذي قدر لهم هذا هو أرحم بهم من آبائهم وأمهاتهم، ففي تقدير الله لهم كل رحمةٍ وفضلٍ ولطفٍ.

وربما كان مكروه النفوس إلى محبوبها سبباً ما بعده سبب

إن الأمر الذي تكرهه أشد الكراهة قد يكون هو أقرب السبل إلى ما تحبه غاية المحبة {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:٢١٦] {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:١٩].