للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أعدوا للموت]

الحمد لله، الحمد لله الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ، الحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، الحمد لله حمداً ملء السماء وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شاء ربنا من شيء بعد، الحمد لله على حلمه بعد علمه، الحمد لله على كل حال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الأول فليس قبله شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو على كل شيء قدير، خلقنا من العدم، وهدانا إلى الإسلام، ووفقنا إلى التوحيد، وأطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، ومن كل فضلٍ سألناه أعطانا، الحمد لله الذي لا تحصى نعمه، الحمد لله الذي لا تعد مننه، الحمد لله حمد الذاكرين الشاكرين، الفضل لله على ما نحن فيه، الثناء لوجه الله، والفضل لله، وأشهد أن محمداً رسول الله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين، لم يعلم سبيل خير إلا دلنا عليه، ولم يعلم سبيل شر إلا حذرنا منه، كان بأمته شفيقاً رحيماً، قال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:١٢٨] صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله: أعدوا للموت واتقوا الله: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].

معاشر المؤمنين: معاشر الموحدين! ما أقسى هذه القلوب التي نحملها في صدورنا! ما أجمد هذه العيون التي هي في رءوسنا! ما أبعد هذه القلوب حال الغفلة عن ذكر ربها وخالقها! عباد الله: قفوا وتأملوا حال هذه النفوس، حال هذه القلوب المريضة التي تعودت اللهو والعبث، والغفلة، وطيب المأكل والمشرب؛ حتى قست وبعدت عن طاعة الله، وبعدت عن ذكر المصير، والاستعداد للقاء الله.

أيها المسلمون: ما منا إلا وغافل، ما فينا إلا وسادر، ما من بيننا إلا وأشغلته شهواته عن الاستعداد للقاء ربه، متى نستيقظ؟ متى نستعد؟ متى نقف للمحاسبة؟ يوم أن نرى ميتاً أمام أعيننا، يوم أن نرى حادثاً يتمزق فيه بدنٌ أمام بصائرنا وأبصارنا، يوم أن نصاب بفقد حبيب، ثم نبكي عليه سويعات حتى نواريه في التراب ثم ننساه، يوم أن يبتلى أحدنا ببلية في ماله أو دنياه يقف لحظة ليتأمل، ثم يعود في لحظات إلى غفلته.

أيها الأحبة: إن في النفوس قنديلاً يضيء، لكن ضوءه ضعيف جداً بما يزاحمه من حجب المعاصي، بما يستر نوره من ألوان الشهوات، ويوم أن نقف وقفة نتأمل فيها مصيبة، أو نتذكر فيها معاداً يبقى أحدنا متردداً بين التوبة والغفلة، يشاور نفسه هل يتوب أم لا يتوب، هل يستقيم أم لا يستقيم، هل يقلع أم لا يقلع، هل يخبت ويخضع أم لا يخضع.

هل تحتاج التوبة إلى مشورة؟ هل تحتاج الأوبة إلى تردد وأخذ رأي؟: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:٣٦] {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور:٥١] لا مناص من الاستجابة، ولا محيد عن القبول والانقياد: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ألستم بالمؤمنين؟ ألستم تدعون الإيمان؟ ألسنا ندعي الإيمان، الخطاب لكم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال:٢٤].

عباد الله: من لم يستجب لله فعلى خطرٍ أن يحال بينه وبين قلبه {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ} [سبأ:٥٤].