للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خطر الربا على المرابي في الآخرة]

إن الحمد الله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، لم يعلم طريق خيرٍ إلا دلنا عليه، وما علم من سبيل شرٍ إلا وحذرنا منه، صلى الله عليه وعلى أزواجه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، وجزاه عنا خير ما جزى نبياً عن أمته.

عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، اتقوا الله بإتيان ما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر، واتقوا الله جل وعلا في كل وقتٍ وفي كل لحظة، وفي كل فعلٍ وقولٍ وعمل، فإن الله جل وعلا ما خلقكم إلا تعبدوه، وما خلق الخلائق أجمعين ليستعز بهم من ذلة، أو ليستكثر بهم من قلة، فهو الغني الحميد سبحانه لا إله إلا هو وهو على شيءٍ قدير.

معاشر الأحباب: يقول الله جل وعلا: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:٢٧٥].

معاشر الأحباب: إن المتأمل لكتاب الله جل وعلا ليجد أن الله سبحانه وتعالى عَظَّمَ جانب الربا في شأن من يتعامل به، وخطورة مآله وحاله، فإنه خطرٌ عظيم، وشرٌ جسيم في الدنيا والبرزخ والآخرة، ولذلك فقد جاء في آخر سورة البقرة فصلاً مطولاً في شأن الربا، والله جل وعلا يوم أن قال: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة:٢٧٥] أي: يوم القيامة، أكلة الربا لا يقومون إلا كما يقوم المصروع الذي يتخبطه الجن والشياطين، وذلك بما أثقل نفسه به من المال الحرام، فإنه عند ذلك لا يستطيع النهوض إلى الحشر إلا بمدافعة نارٍ تلحقه، وكما جاء في الأثر: (يوم أن ينفخ في الصور ويحشر العباد وينفرون، فإن أكلة الربا كلما قاموا سقطوا على وجوههم، وصرعوا على جنوبهم) فشأن الربا عظيمٌ وخطره جسيمٌ جداً يا عباد الله! ولعل من عظيم قول الله جل وعلا فيه، ومن عظيم التهديد والوعيد في شأنه أن الله سبحانه لم يجعل له عقوبةً حسيةً معينة، أي: كالحدود والقصاص والرجم وغيرها، وإنما توعد آكله بحربٍ منه، وتوعد متعامله بحربٍ من رسوله، وما شأن مسلمٍ يحاربه الله ورسوله فهل تبقى له قائمة؟! وهل يكون له في الخير نصيب بعد أن حاربه الله ورسوله؟! في الحديث: (إذا بعث الله الناس يوم القيامة خرجوا مسرعين إلا أهل الربا، كلما قاموا سقطوا على وجوههم وجنوبهم) وذلك يا معاشر المتقين! بما أثقلوا بطونهم به من المال الحرام، ولقد جاء في حديث المعراج: (أنه صلى الله عليه وسلم لما عُرج به رأى رجالاً بطونهم بين أيديهم كالبيوت فيها حيات وعقارب ترى من ظاهر بطونهم، فقال صلى الله عليه وسلم: من هؤلاء يا جبريل؟! قال: هم أكلة الربا).

معاشر المؤمنين: لا شك أن الربا سحرٌ يغري المتعامل به، ويغري صاحب المال أن يقع فيه؛ وذلك لأنه في هذا الزمان تيسرت سبل التعامل به، وتيسر أسباب الربح فيه، إذ أن الكثيرين يرون أن من مصالحهم أن يودعوا أموالهم أو ما يسمونه أرصدتهم في بنكٍ من البنوك التي تدفع فائدة سنوية عليها، فيجد أن ماله يتضاعف، ويجد أن ماله يتكاثر، وهو قابع قاعدٌ في بيته، لا شك أن هذا سحرٌ يغري كثيراً من ضعفاء الإيمان واليقين من الذين لا يرعون أمر الله ونهيه، يغريهم بأن يتعاملوا بأموالهم على هذا الشأن.

ولا شك يا عباد الله! أن أسلوب التعامل بالمال على هذا النحو يوقع المجتمعات في كارثة اقتصادية، إذ أن شأن هذا النوع من التعامل يجعل الأغنياء يتضاعفون غنىً، ويجعل الفقراء يزدادون فقراً إلى فقرهم، ومسكنةً إلى ضعفهم، وحاجةً إلى متربتهم، وبعد ذلك تنشأ الطبقية، وتنشأ الثورات والقلاقل في المجتمع؛ لأن المجتمع حين ذاك ينقسم إلى قسمين أساسين: طبقة أصحاب الأموال وهم الأغنياء، وطبقة الفقراء وهم الكادحون، وكلكم يعرف أن الثورة البلشفية والثورة الفرنسية نشأت وكان من أهم أسبابها آنذاك يوم أن انقسم المجتمع إلى هذه الطبقات الكادحة وتلك الطبقات الغنية.

إذاً: فأمر الربا خطيرٌ جداً في شأن المجتمعات، نسأل الله جل وعلا أن يقينا مصارع أهل الربا وأن يبعدنا عنه، وأن يقينا من التعامل به، إنه على كل شيءٍ قدير، وبالإجابة جدير.