للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عظم الإثم الواقع على المرابي]

الحمد لله الواحد بلا شريك، والقوي بلا نصير، والعزيز بلا ظهير، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، فهو الذي أنشأنا من العدم، وهدانا للإسلام، وأطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، ومن كل ما سألناه أعطانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وعلى من اتبع سنته واهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهي وصية الله لكم ولمن كان قبلكم: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:١٣١].

معاشر المؤمنين: مر الحديث بنا في الجمعة الماضية عن الربا، وأن خطره عظيم، وأن شره جسيم، وسمعنا ما ذكره الله جل وعلا في كتابه الكريم من الآيات الواردة في شأن الربا وفي شأن الذين يأكلونه لا يقومون يوم القيامة إلا كما يقوم الذين تتخبطهم الشياطين صرعى من الجنون، وأنهم ممحوقو البركة فيما يأكلون ويشترون ويفعلون بهذا المال الذي هو من الربا، وأنهم مؤذنون بحربٍ من الله ورسوله إن لم يقلعوا عنه.

ولقد جاء في السنة النبوية شيءٌ كثيرٌ وكثيرٌ جداً في شأن هذا الربا، فمن ذلك ما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات -أي: المهلكات- قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) أرأيتم كيف عَدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل الربا وجعل صاحبه مع أهل الموبقات المهلكات.

وروى النسائي رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رأيت الليلة رجلين آتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة، فانطلقنا حتى أتينا على نهرٍ من دم فيه رجلٌ قائم، وعلى شط النهر رجلٌ بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر يسبح فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجرٍ في فيه، فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت ما هذا الذي رأيت في النهر؟ قالا: آكل الربا).

وروى مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه) ألا وإن في هذا الحديث لنذيرٌ لمن يتعامل بالربا؛ من قريبٍ أو بعيد، سواء كان مودعاً أو مقترضاً، أو آكلاً أو مستثمراً أو موكلاً أو كاتباً أو شاهداً.

وروى الحاكم وقال: صحيحٌ على شرط الشيخين، أنه صلى الله عليه وسلم قال: (الربا ثلاثٍ وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه)، وروى ابن أبي الدنيا والبغوي وغيرهما موقوفاً قال: (الربا اثنان وسبعون حُوباً، أصغرها كمن أتى أمه في الإسلام، ودرهمٌ من الربا أشد من بضعٍ وثلاثين زنية، قال: ويأذن الله للبر والفاجر بالقيام يوم القيامة إلا آكل الربا فإنه لا يقوم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس).

وروى الإمام أحمد والطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية)، وروى الطبراني في الصغير والأوسط: (من أعان ظالماً بباطلٍ ليدحض به حقاً، فقد برأ من ذمة الله وذمة رسوله، ومن أكل درهماً من ربا فهو مثل ثلاثٍ وثلاثين زنية، ومن نبت لحمه من سحت فالنار أولى به).

معاشر المؤمنين: الأحاديث في هذا الباب كثيرةٌ وكثيرةٌ جداً، وحسبكم بهذه المعصية الموبقة شراً وبلاءً أن اليسير منها أعظم عند الله من زِنا الرجل في الإسلام بأمه، والله إنه لأمرٌ عظيم، ولشرٌ عظيم، ولبلاءٌ عظيم.