للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خاتمة أصحاب الكبائر]

إن المتأمل لأحوال أكلة الربا، والمتعاطين المتعاملين به، يراهم قلقين مستوحشين، ولو خالطوا الناس بأبدانهم، والكثير منهم تنقلب عليهم أموالهم حسرةً وندامة إذ يعيش بعضهم ثرياً غنياً، لكنه مسلوب الصحة والعافية، أو مسلوب الراحة والاطمئنان، أو بعض الحواس، يرى أمواله من حوله، لا تسعفه ولا تسقيه أو تغنيه من ظمأٍ أو جوع، وهذا أشد العذاب على النفس، وأعظمه وقعاً عليها، ولقد ذكر الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله في كتابه الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، ويسمى هذا الكتاب بـ الداء والدواء، ذكر في شأن مغبة الكبائر وعقوباتها على العبد في الدنيا، والبرزخ والآخرة ما معناه: إن من العصاة من يختم له بسوء الخاتمة بسبب معصيته التي مات مصراً عليها ولم يتب منها، وذكر منهم وأكثر فيهم أكلة الربا بأنهم في الغالب لا يسلمون من سوء المصير، وخطر الخاتمة، وذكر قصة أحدهم لما حضرته الوفاة فجعل مَنْ حوله يلقنونه الشهادة، يقولون: قل: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فجعل يقول: ده ياز ده، هذه كلمةٌ فارسية ومعناها: العشرة بخمسة عشر، حتى مات وهو يقول: ده ياز ده ولم يتلفظ بالشهادتين أو ينطق بهما.

معاشر المؤمنين: اعلموا أنه ليس من شرط سوء الخاتمة لآكل الربا أو المصر على المعاصي أن يموت عاجزاً عن نطق الشهادتين، فأحوال سوء الخاتمة كثيرة جداً، منها: أن يموت بالفجأة، أو بسكتةٍ قلبية، أو بحادثٍ رهيبٍ مدمر؛ كاصطدام أو حريق أو غرق، أو أن يموت سكيراً مخموراً، أو تقبض روحه وهو في أحضان باغية، أو أن يقبض وينتقل إلى الآخرة وهو على معصية، أو بأي سبيلٍ من السبل التي لا يستطيع معها أن يستدرك أو يتوب من معصيته وكبيرته التي وقع فيها إلا حين أن تبلغ الروح الحلقوم، ويجئ الموت على البدن: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ} [المؤمنون:٩٩] ماذا يقول؟ فيقول هو وكل مجرمٍ مصرٍ على الذنوب حينئذٍ: {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:٩٩ - ١٠٠] ويا هول ذلك البرزخ، وما أطوله على الكفار والعصاة والمجرمين المُصرين.