للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مسئولية الإنسان عن عينه]

أيها الأحبة! مسئوليتك مسئولية كل واحد منا تجاه نفسه، فهو مسئول عن عينه التي ركبت في أدق تركيب، بحدقة وشبكة وقرنية، وعروق وعصب بصري وجهاز حساس، فهي ما ركبت في هذا المكان عبثاً، وما أحيطت بعظام تحفظها عبثاً، وما جعل لها جفن يمسحها من الغبار، وما جعل لها دمع ينظفها في كل لحظة من أجل أن تنظر إلى صورة نهى الله أن ينظر إليها، أو من أجل أن تقلب النظر في أمر لا يجوز إليه، وإنما خلقها الله لتنظر في مصير الأولين والآخرين، ولكي تتدبر في خلق الله جل وعلا.

{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [يوسف:١٠٩] {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ * فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية:١٧ - ٢١].

هذه العين قد أشغلناها بالتوافه، فاشتغلت بهذه التوافه عن العظائم، والواحد ينظر إلى السماء تمد مد الأديم فلا يتفكر فيها {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً} [الأنبياء:٣٢] ورفعت بغير عمد، ولا يتفكر الواحد في خلقها، وبين كل سماء وسماء ما يعلم الله جل وعلا، وفي سماء من خلق الله سبعون ألف ملك، البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه، قد ملئت السماوات والأرض والمخلوقات بالعجائب التي تدعو أصحاب النظر إلى التفكر فيها.

ولكن أعجب إلى شاب يقول: انظر إلى قدم اللاعب الفلاني، كيف حرك رجله بحركة رشيقة خفيفة دقيقة، فأصاب الهدف في زاوية مربعة على حين غرة من حارس، انظر إلى تلك العين كيف تبعت الحذاء، وكيف تبعت القدم وتفكرت في بالون منفوخ، وتلاحق أقدام اللاعبين، ولم تبصر ولم ترتفع لتنظر ما خلق الله في ملكوت السماوات، قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ} [فصلت:٥٣].

الآفاق هي السماوات الطباق، والنفس البشرية فيها من العجائب ما الله به عليم، لكن مسئولياتنا تجاه أبصارنا قد ضيعت بالتافه، ويقول علماء الأصول والقواعد الفقهية: "الاشتغال بغير المقصود إعراض عن المقصود" حينما تشغل البصر بالتافه، اشتغلت بالتافه عن العظيم الجليل الذي يليق.