للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صور المسئولية الجماعية]

أيها الأحبة! الشباب والمسئولية بعد أن قدمنا مسئولية كل واحد تجاه نفسه، ربما البعض يقول: وهل كل أمر فيّ أنا مسئول وحدي عنه؟ نقول: المسئولية بادئ ذي بدء تنصب عليك تجاهك:

نفس عصام سودت عصاما وعلمته الكر والإقداما

إن الجبان لن يضع المسئولية على الجبناء من حوله الذين لم يعلموه الشجاعة.

إن البخيل لا يضع المسئولية على من حوله الذين لم يعلموه الكرم.

إن الكذوب المفتري الذي ينقل الكلام والقيل والقال، لا يحمل المسئولية الصادقين أو من حوله؛ لأنهم سامحوه في كذبه أو لم يعلموه الصدق، فهو مسئول عن نفسه في الدرجة الأولى كما قلت، فلا نحمل مسئولياتنا عالماً أو حاكماً أو صحفياً أو طالب علم أو رجلاً أو امرأة، كل منا يتحمل مسئوليته بالدرجة الأولى تجاه نفسه، ثم بعد ذلك يتحمل كلٌ بحسب ما ولاه الله من مسئولية، وحينما تحين ساعة الموت، وتبلغ الروح التراقي، وتظن بيقين وتعلم بصدق أنه الفراق، وتلتف الساق بالساق؛ حينئذٍ يتمنى من ولي أمراً أنه ما ولي، ومن قام مقاماً في أمر لم يمحض الإخلاص فيه أنه لم يقمه، وكل من جازف بنفسه في أمر يتمنى في تلك الساعة أنه لم يقترب منه ولم يدن، إلا من محض وأخلص وصدق الأمر لله جل وعلا، فالمسئولية فردية والمسئولية أيضاً جماعية.

فمن صور المسئولية الجماعية، قول الله جل وعلا على سبيل المثال في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} [آل عمران:١٠٤] هذه أمة أو جماعة أو مجموعة أو طائفة مسئولة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:١٠٤].

لكن هل مسئولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسئولية لجماعة مخصوصة؟ لا أيضاً.

نحن كأفراد أو بصفتنا أفراداً نتحمل مسئولية عظيمةً جسيمة في هذا الباب قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة:٧١].

فمهما رأيت من المنكرات لا تعلق الأمر على صغير أو كبير أو هيئة أو مسئول، ولكن اسأل نفسك بادئ ذي بدء هل وقفت ساعةً من ليل أو نهار فنصحت؟ والله أيها الأحبة ما أسهل أن نجلس مجلساً فنقول: لقد انتشرت محلات الفيديو في مجتمعنا، علب الرذيلة ومحلات تصدير الفساد، والدعارة الموجودة بين أظهرنا ما أكثرها، ما أقبحها وما أشينها! ونقول فيها ما نقول، ولكن هذا المسجد كم فيه الآن من هذه الرءوس التي تسمع وتبصر؟ كم عدد الذين وقفوا بأنفسهم على محلات الفيديو وقدموا نصيحة من منطلق المسئولية الفردية كما قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة:٧١]؟ كما قلت: نحن نتقن أن نحمل الآخرين مسئوليات عديدة.

أما أن تقول للواحد: يا أخي الكريم! أين دورك تجاه هذه القضية؟ تجده إما أن يتذرع بأشغاله أو أعماله أو عجزه أو ضعفه، وسيأتي الكلام عن سبل وأنواع وحيل الإنسان على نفسه في تهربه من المسئولية.

إن من علم آية دعي إلى بلاغها وبيانها: (نضر الله امرءاً، سمع منا مقالة فوعاها، فبلغها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع) وقبل أن نبلغ مسئولياتنا في التطبيق التي لو طبقنا في كل ما نسمع من خير وحق ثابت متفق فيه، لوجدنا أننا نظفر كما قال الله بفوائد جمة، يقول تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ} [النساء:٦٦] لو أننا طبقنا وحولنا المحاضرات إلى برامج عملية، والخطب إلى مشاريع دعوية، والكلام إلى إنتاج تنفيذي عملي هل رأيتم مجلس إدارة شركة من الشركات، يجلس فيه رئيس مجلس الإدارة وجميع الأفراد ثم يجتمعون كل سبت أو إثنين ويخططون وينظمون، ثم يتفرقون ولا يطبقون شيئاً، أي: شركة من الشركات أو مؤسسة من المؤسسات يوم أن يجتمع رئيس مجلس الإدارة فيها مع أعضائه يحددون هدفاً ثم يختارون الأساليب، ثم يوزعون المسئوليات، ثم يكلفون الطاقات العاملة التي تطبق هذا كله، لكن الذي بُلي به جيلنا هذا اليوم الاجتماعات الدورية المتتالية في كثير من المحاضرات والندوات، ولكن لا يعقبها تطبيق ولا تنفيذ، والله جل وعلا يقول: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [النساء:٦٦] الخير جاء نكرة يعم أنواع الخير: {لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} [النساء:٦٦].

فمن أسباب الثبات على الإسلام، أن نطبق ما علمناه {وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً * وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} [النساء:٦٦ - ٦٨].

لو أننا فعلاً نعقب هذه الاجتماعات واللقاءات بمشاريع تنفيذية وعملية.

الآية الواحدة حينما تصوغها هدفاً ومشروعاً وبرنامجاً ثم تطبقها وتنفذها يكون في هذا خير عظيم، والأمة أيضاً تتحمل مسئولية -كما قلت- كل بحسب علمه.

إن الله جل وعلا قد حمل العلماء مسئولية البلاغ، وحمل الولاة والحكام مسئولية التنفيذ والقيام على شرع الله جل وعلا، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ} [آل عمران:١٨٧] وإلا ما الفائدة من حمل الكتاب بدون تبيين؟! ما فائدة العلم بالحق بدون أن يبين للناس ويدعى إليه؟! إن الله ذم الذين حملوا العلم ولم يعملوا به، أو أنكروه وجانبوه فقال: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:٥].

لكن الله جل وعلا يبين أن الذين أوتوا الكتاب عليهم ميثاق البيان فقال: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:١٨٧].

من تحمل العلم ولم يقم بحقه؛ فعليه من الله إثم عظيم.

والعلم إن كان أقوالاً بلا عمل فليت صاحبه بالجهل منغمر

ويقول الآخر:

ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ولو عظموه في النفوس لعظما

ولكن أهانوه فهانوا ودنسوا محياه بالأطماع حتى تجهما

يقولون لي فيك انقباض وإنما رأوا رجلاً عن موقف الذل أحجما

فلم أجن حق العلم إن كان كلما بدا طمع صيرته لي سلما

أأشقى به جمعاً وأجنيه ذلة إذاً فاتباع الجهل أولى وأحزما