للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التشاؤم والتهرب من المسئولية]

مصيبة أخرى تجعل كثيراً من الشباب لا يتحملون المسئولية ويتهربون منها، بعضهم يقول: وماذا تنتظر؟ الأمة ضائعة منحرفة، الأمة تائهة، الأمة في الطوفان، الوحل، الحريق، النار، الغرق، ولا تجد الرجل يرى إلا بعين التشاؤم.

أيها الشاكي وما بك داء كيف تغدو إذا غدوت عليلا

هذا مثل الذي يصيح ولم يدقوه بعد ولا دقوه، تجد الإنسان قبل أن يرى مصيبة يصيح ويولول، ويفزع ويهرول ويدعو بالويل والثبور، إذا كان هذا صياحك وولولتك قبل نزول المصيبة، فإذا نزلت المصيبة؛ ماذا ستفعل؟ يا أخي! كن جميلاً ترى الوجود جميلاً، تفاءل، انظر بخير.

لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم يفاوض في صلح الحديبية، القضية في ظاهرها هزيمة للمسلمين.

الرسول وصحابته الكرام صلى الله عليه وسلم ورضوان الله عليهم، يقدمون إلى بيت الله الحرام فيصدون، وتفاوض قريش بعنجهية وكبرياء وخيلاء وعناد، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: من الذي قدم؟ قالوا: جاء سهيل بن عمرو قال: (سهل لكم من أمركم) انظر التفاءل.

ثم أيضاً أعط نفسك تصوراً معقولاً في حجم إنتاجك وعملك، تريد أن تلقي كلمة بعد صلاة العشاء أو المغرب في مسجد من المساجد، ضع في حسبانك وأنت تلقي الكلمة أنه سوف يسمع لك فقط خمسة عشر مصلياً، ضع هذا في ذهنك، فإذا قمت ووجدت عشرين مصلياً أمامك، فالحمد لله، الأمة مقبلة على خير، وجد والله شيئاً كثيراً، ووجدت فوق ما تصورت، لكن البعض حينما يريد أن يقوم فيلقي كلمة، فيذهب نصف المسجد، يقول: أهذه أمة فيها خير؟ أنا أقوم وألقي كلمة فيخرج نصفهم.

وإذا ذهب نصفهم ماذا في ذلك؟ سبحان الله العلي العظيم! يا أخي! إذا كان هناك أنبياء يقدمون على الله يوم القيامة، أيدوا بالمعجزات وبالوحي وهم أفضل خلق الله، يأتي النبي منهم يوم القيامة ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان، والنبي وليس معه أحد، فأنت تريد أن يفتح لك من القبول كما فتح لـ أحمد بن حنبل أو كما فتح لأئمة الإسلام العظام، وتريد هذا بين يوم وليلة.

منذ أيام كنت في مدينة الرياض في أحد المساجد، وكنت مشغولاً، يعني المشغول يصلي ثم يصلي الراتبة مثلاً أو يصليها في بيته وينصرف يمشي، فقام رجل جزاه الله خيراً يلقي كلمة، فلما قام؛ قام العدد الطبيعي من الذين في المسجد عمال، وناس لهم حاجات، وأصحاب أشغال وأعذار، وناس يمكن نساؤهم في السيارات، قال: الحمد لله يقول الله جل وعلا على لسان نبيه موسى: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه:٨٤] فموسى يعجل إلى ربه ليرضى الله عنه، ولكن الذين خرجوا يعجلون إلى ماذا؟ إلى منكر يرونه، ومنكر يسمعونه، ومعصية يجلسون عندها.

لماذا هذا الأسلوب يا أخي؟ لماذا تبدأ نفسك بهذه الهزيمة؟ هذا إعلان للهزيمة من البداية، ابدأ بقولك أيها الأحبة في الله! كلمة لمدة خمس دقائق، لمدة عشر دقائق، من كان مشغولاً فلا حرج أن ينصرف، جزاه الله خير الجزاء على حضوره صلاة الجماعة.

إن وجود هؤلاء يحضرون ويصلون معك الصلاة مع الجماعة خير عظيم، أي: إياك أن تنهار أو يصيبك الإحباط والانهيار عند أدنى إنسان يقوم، يا أخي افرض أن أحدهم ذهب يقضي حاجته، تقول: والله أنا إنسان فاشل، وما يضيرك أنك فشلت اليوم والشهر القادم والسنة القادمة، ثم بعد ذلك أصبت الصواب ولله الحمد والمنة.

الحاصل أننا لا نريد أن نهزم نفسياً فلا نُرى إلا بالتشاؤم.

أنا أعجب من بعض الشباب يوم أن تجلس معه يخبرك أن الإسلام محارب.

نعم يا أخي، المسلمون في بعض البلاد يذبحون، المسلمون يقتلون، والمسلمون يصيبهم ما يصيبهم، لكن إلى متى ونحن نردد: ذبحونا قتلونا ضربونا جلدونا، وبعد ذلك!! ألا نوقد شمعة في الظلام، ألا نقدم عملاً إيجابياً، ألا نبدأ بإغاثة جريح، أو إسعاف مريض، لا نعرف إلا أن نجتر المصائب والآلام، ونعتبرها هي قضيتنا الأولى والأخيرة، طبعاً أنا لا أقول: إن الإنسان ينظر إلى مصائب المسلمين نظرة باردة كما يقول الشيخ عائض القرني حفظه الله، يقول: بعضهم حينما تقول له: ما رأيك بما فعل بالمسلمين في حماة؟ أو ما فعل بالمسلمين في البوسنة والهرسك؟ يقول: بعضهم يظن من الاعتدال أن تقول: هذا لا ينبغي والأولى تركه، طبعاً ما نريد هذا البرود في قضايا المسلمين، لكن لا يعني ذلك أنك يوم أن تجد مصيبة قائمة للمسلمين، أنك لن تستطيع أن تفعل شيئاً بل إن مزيداً من الدماء تدعوك إلى مزيد من العمل، ومزيداً من الجراح تدعوك إلى مزيد من السعي {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:١٠٤] {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} [آل عمران:١٤٠].

العمل مطلوب، لا نجعل هذه المصائب سبباً نتهرب به من هذه المسئولية.