للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عواقب إهمال المسئولية]

وختاماً أيها الأحبة! ما الذي يترتب على إهمال المسئولية؟ يترتب على إهمال المسئولية شر مستطير وخطر كبير، قال صلى الله عليه وسلم: (مثل القائم في حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة -أي: ضربوا القرعة على سفينة- فكان لبعضهم أعلاها، وكان لبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفل السفينة، إذا أردوا الماء مروا على من فوقهم، فقال الذين في أسفلها: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعاً، وإن هم أخذوا على أيدهم؛ نجوا ونجوا جميعاً).

إن ترك المسئولية وتعليق المسئولية يمنة ويسرة، وتهربنا من المسئولية من نذر الهلاك في المجتمع، الله جل وعلا قال: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود:١١٧].

فإذا أردنا صلاحاً وبقاءً ونعماً تترى متتابعة على مجتمعنا وفي بلادنا وأمتنا، فعلينا أن نتحمل مسئولياتنا وأدوارنا، أما أن يضيع كلٌ دوره، ويريد أن تمتلئ المخازن بالأغذية، والأسواق بالأطعمة، والبواخر بالنعم، وخيرات البلاد تجبى إلينا من كل جانب وهو يرى منكراً لا ينكر، أو معروفاً يضيع ولا يقوم بواجبه، وغاية ما عنده أن يهز رأسه ويقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، لا بد أن تتحمل مسئوليتك، وأن تقوم بدورك، واسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً: (لتأمرن بالمعروف، ولتنهن عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطراً، أو ليوشكن الله أن يعمكم بعذاب ثم يدعو خياركم، فلا يستجاب لهم).

أيها الأحبة: انظروا إلى أولئك الفجرة، والحداثيين والعلمانيين والشيوعيين والفسقة وأهل الضلالة، كل منهم قد طوق نفسه، وتوج نفسه تتويج الضلالة لا الهداية بمسئولية تحملها، فتجد ضالاً ضليلاً ينبري لزاوية أدبية، لا يبرحها ولا يدعها قيد أنملة، وتجد آخراً يمسك بجانب، فلا يفتر قائماً عليه أبداً، وتجد الآخر يمسك بقضية معينة، فيوالي فيها العمل والجهد والبذل.

أما مشكلة الكثير من أبنائنا الملتزمين اليوم التذويق، ذواقين يوم نعمل في الجاليات، ويوم نعمل في السجن، ويوم نعمل في الفقراء، ويوم نعمل مع المعوقين، ويوم نعمل نعم هذا عمل خير، ولكن التخصص والصبر والجلد على مجال معين، يعطي الإنتاج فيه بإذن الله تعالى، أخي الكريم انظر إلى همة ذلك الشاعر الذي يقول:

أطاعن خيلاً من فوارسها الدهر وحيداً وما قولي كذا ومعي الصبر

وأشجع مني كل يوم سلامتي وما ثبتت إلا وفي نفسها أمر

تمرست في الأهوال حتى تركتها تقول أمات الموت أو ذعر الذعر

وأقدمت إقدام الأبي كأن لي سوى مهجتي أو كان لي عندها وتر

فتىً لا يضم القلب همة قلبه ولو ضمها قلب لما ضمه صدر

نريد واحداً يحمل هماً من هموم الأمة، ويتحمل مسئوليةً وينبري لها، ويقول: أنا لها، وقبل ذلك يسأل الله أن يكون سعيه خالصاً لوجه الله الكريم: (القصد القصد تبلغوا، من سار أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا وإن سلعة الله غالية، ألا وإن سلعة الله الجنة).

فيا أحبابنا إذا أردنا أن نمضي على طريق الأنبياء والصالحين من بعدهم والذين اهتدوا بهديهم وساروا على طريقتهم، فالعمل العمل لهذا الدين، مسئوليتنا جميعاً، ولا تجعل العمل وتحمل المسئوليات في المناسبات، منذ الليلة إن كنت جاداً تحسب على هذه الصحوة، فأسأل نفسك أي مسئولية تتحملها، إن شاء الله لو تعلم عامل النظافة الذي في المسجد القرآن وشيئاً من اللغة العربية والعقيدة الصحيحة، تأخذ لك خمسة عمال تكون مسئولاً عنهم، تذهب بهم إلى صلاة الجمعة، تردهم إلى بيوتهم، تعتمر وإياهم، تتفقد أحوالهم، تحل مشاكلهم مع العميل، شاب من جيرانك أو أقاربك تنذر نفسك له في كل الأوقات المناسبة عندك، أن تذهب به وتئوب وتعود معه، تعطيه الكتاب والنصيحة وتزوره، تأكل معه شيئاً، تشرب معه شيئاً، تقضي حاجته، تعينه، حتى بعد مدة تراه في عداد المهتدين، هكذا العمل الذي نريده.

أما الحماس والعواطف، والناس كإبل مائة كما نرى واقعنا اليوم لا نكاد نجد من يتحمل المسئولية، فهذا عيب، وهذا عار علينا، وعيب على أمة الإسلام التي بلغت الآن الألف مليون وستمائة مليون، وهي تجثم على ثروات وخيرات في أفضل المواقع، ومع ذلك ما تجد لهذه الأمة أثراً، لأن الأمة مجموعة أفراد، وكل فرد ضيع مسئوليته.

أحبابنا: نموذج على تحمل المسئولية في العمل، إذا رأيت الشاب المسلم أول من يدخل الدوام وآخر من ينصرف؛ فإنه جدير بالمسئولية، أما لأنك ملتزم تريد أن نعفو عنك، لأنك جئت متأخراً، ولأنك ملتزم؛ تريد أن نسمح بأخطائك في العمل، ولأنك ملتزم تريد أن نغفر خطاياك في واجباتك، لا، يا أخي الكريم! التزامك يحملك مسئولية أضعاف أضعاف ما يتحمل زملاؤك، لا تجعل التزامك وتدينك حجة أو ذريعة لكي ينظر الناس إليك نظرة مميزة مع تقصيرك وتفريطك في واجباتك، ومصيبة الأمة أن ينظر من يتصيد أخطاءها إلى الملتزمين من أبنائها في مواقع التقصير والإخلال بالمسئولية، ومنها جانب العمل، فهذا نموذج أو مجال من مجالات التحدي.

هل تثبت أنك جدير بتحمل المسئولية، حدد ساعة من يوم، ويوماً من أسبوع، وأياماً من شهر، لخدمة هذا الدين في برنامج محدد ومعين، وستنفع بإذن الله جل وعلا، وما سوى ذلك كما يقول القائل:

وأنت امرؤ فينا خلقت لغيرنا حياتك لا نفع وموتك فاجع

لو يقال إن شاباً ملتزماً في مستشفى الثغر يحتاج إلى دم، لذهب كل واحد يتبرع بدمه، لو قيل: إن فلاناً يحتاج إلى كلية، لبحثنا له عن كلية من يمين أو يسار، أي: لما مرض فجعنا به وبذلنا له، لكن لما كان صحيحاً ماذا قدم للإسلام؟ للأسف هذه مصيبة عظيمة.

ثم أحبابنا أختم بخاتمة مهمة ألا وهي أنه ينبغي أن ننظر إلى ما نحن فيه من النعم والخيرات، إن ذكرنا لسيئات مجتمعنا، وأخطاء واقعنا، وزلات ما نحن فيه، لا تجعلنا نغض النظر عن حسنات نرفل فيها ونتربع عليها، فمن واجبنا كما ننكر هذه السيئات أن نلتفت إلى هذه الحسنات، فنثني عليها ونثني على من دعا إليها، ومن قام بها، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، وبهذا نسوق ونقود دفة أمتنا إلى خير في معروف ننميه، ومنكر ننكره.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.