للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التحدي في المجال الوظيفي]

أيضاً من صور التحدي: التحدي في المجال الوظيفي -التعليم للعمل- الفتاة تتعلم لا للتربية، ولا لخدمة بيت زوجها، ولا لطاعة زوجها وإنما التعليم للوظيفة، ولو قيل للفتاة: إنك بعد هذا المشوار الدراسي لن تجدي رائحة الوظيفة ولن تشمي هذه الوظيفة، قالت: لا حاجة لنا إذاً إلى التعليم، من الذي غرس في ذهن الفتاة أن التعليم لا بد أن يكون للوظيفة، وهل من شرط علم المرأة أن تختمه بالوظيفة أو بالمرتبة الإدارية؟ ذاك جهلٌ عظيم، وتجييرٌ وتضييق لآفاق العلم الواسعة في مجال غيره، إن العلم آفاقٌ عديدة، وأعظم آفاقه أن تنفذ المرأة وتطبق ما شرع لها في حياتها التي خلقت لأجلها وما فيها، فتحجيم التعليم بالوظيفة فيه احتيالٌ أو فيه استهتارٌ وازدراء بعقل الفتاة وعقل المرأة.

إن التعليم -كما قلنا- لرفع الجهل، وتعلم العبادة، ونفع بنات جنسها لا أن يكون لذات الوظيفة، وإنك لتعجب يوم أن تسمع شكاوى كثير من البنات اللائي لا حاجة لهن بالوظيفة، يتأففن منذ خمس سنوات ويقلن: نحن متخرجات ما وجدنا وظيفة، منذ سنتين ما وجدنا وظيفة، تخصصنا اجتماعيات ولم نجد فيه وظيفة، ومن الذي قال: تعلمن من أجل الوظائف؟ تعلمن حتى تعلمن ما ينفعكن في دينكن، وحتى تعلمن ما ينفعكن في أمور حياتكن وأزواجكن، أما التعليم للوظيفة فهذا أمرٌ في منتهى الحماقة وفي منتهى الجهل.

نعم.

إذا احتاج المجتمع إلى المرأة في مجالٍ من المجالات كالطب والتمريض غير المختلط، فحيّ إذاً على هذه الوظيفة التي بها نستغني عن الكافرات، وبها نستغني عن الرجال في أمورٍ لا يصلح أن يطلع عليها إلا النساء، أوليس قلب الواحد منا يتمزق يوم أن تبلغ زوجته حال الولادة وتبدأ آلام الطَّلْقِ والمخاض، تلك الزوجة التي ربيت عفيفة شريفة دينة خيرة ما رأى أحدٌ منها ظفراً ولا يداً ولا أنملة ولا قدماً ولا ساقاً، ثم في حالة الولادة لا نجد خياراً إلا أن نترك المجال للدكتور أن يشرحها ذات اليمين وذات اليسار لينظر إلى أخس عورتها وسوءتها رجلٌ ليس زوجها!! وأخبث من ذلك أن يطلع عليها كافر.

إنه لا يفرح القلب أن تجد استشارياً في أمراض النساء والولادة ويباشر التوليد وهو كافر، أو هندوسي، أو طبيبة هندوسية وهذا من الواقع، ونسوق هذا دعوة لكم أنتم، ودعوة لكل من له قدرة على أن يعين ويشجع الاستغناء عن الكفار، وإحلال المسلمين محلهم، قياماً بالفرض والواجب وليس هذا من باب الأولى.

نجري وراء مسألة الوظيفة رغبة في الوظيفة أياً كان الثمن، وبعد الوظيفة إضاعة للمال في مجالاتٍ لا تنفع أبداً، يا ليت وظيفتها كانت -كما قلت- تمريضاً لبنات جنسها، أو تطبيباً لأخواتها المسلمات وإنما كانت وظيفةً ربما جرتها يوماً من الأيام إلى الاختلاط بالرجال:

كل الحوادث مبدأها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر

ثم إذا أمسكت الفتاة بوظيفة كأنها أمسكت بسر الحياة الذي لو فارقته فارقت روحها وحياتها، إن كثيراً من البيوت أغلقت، وكثير من الأسر كسرت وهدمت، وكثيرٌ من الأطفال ضاعوا بين الآباء والأمهات بعد انفصام عقد الزوجية وحدوث الطلاق والفراق لأجل الوظيفة.

شابٌ تزوج معلمة وعنده من الدخل ما يكفي، وليس بمحتاجٍ إلى وظيفة زوجته فقال: يا أمة الله! أنا أنفق عليك بما يكفيك بالمعروف وزيادة فلا حاجة للوظيفة، وتفرغي لطفلي وطفلتي، فماذا تقول؟ لا وألف لا، لا للبيت نعم للوظيفة، لا للبقاء في المنزل نعم للذهاب صباحاً مع السائق إلى الوظيفة، ثم يشتد العراك ويبعث حكمٌ من أهله وحكم من أهلها لعلهما أن يصلحا بينهما بعد إرادة التوفيق والإصلاح فيعجزان؛ لأنها ذهبت مشرقة وذهب مغرباً وشتان بين مشرقٍ ومغرب، فليس ثمة أنصاف حلول بين الرجل والمرأة في مثل هذه المشكلة، هي تريد الوظيفة وهو يريد أن تتفرغ للبيت، وإني لأعلم علم اليقين وتعلمون أن بيوتاً أغلقت وأسراً تفرقت، وأطفال ضيعوا بسبب هذا المعنى، إنه كان نتيجة لذلك التحدي السافر الذي كانت المرأة محوراً من محاوره.

ثم نقول لكل مسئول عن عمل المرأة وتعليمها: ما الذي يمنع أن يكون التعليم تخصصاتٍ بحدود معينة، فلو كانت ترغب أن تواصل دراستها في التمريض وفي الطب، وفي كل مجال يخدم حالة المرأة فلا حرج أن يستمر السلم التعليمي بها إلى درجاتٍ عالية وفوق العالية، لكن المرأة تريد أن تتعلم حظاً معيناً من العلم، فما الحاجة أن نجرها إلى عشرين سنة في دراسة، ما الحاجة أن تعرف تاريخ الرومان وتاريخ الإغريق القديم وتاريخ أوروبا المعاصر؟ ما الحاجة أن تعرف وأن تعرف وأن تعرف علماً لا ينفع، في الوقت الذي تجهل فيه كثيراً من أحكام حيضها ونفاسها، وصلاتها وصيامها، وحجابها وكلامها وخطابها، وأحكام اختلاطها بغيرها، علمت كل ما لا تحتاج إليه وجهلت كثيراً مما تحتاج إليه، وما ذاك إلا نتيجة ذلك التحدي الخطر.

ما الذي يمنع أن تكون الخدمة المدنية للمرأة -بدلاً من السنوات المعدودة- أن تكون نصف الخدمة، يعني: أهناك فرض يمنع أن تكون الخدمة المدنية عشر سنوات للمرأة؟ اثنا عشر سنة للمرأة؟ لا.

ليس هناك ما يمنع ذلك، أما أن تكون الخدمة المدنية للمرأة مقاربة للخدمة المدنية للرجل كأننا ننظر إليها بنفس النظرة إلى الرجل، ثم ما الذي يلزمنا أن نجعلها في مسئوليات التعليم خاصة بنفس مسئوليات الرجل، أربعة وعشرون درساً أو أربعة وعشرون حصة أو عشرون أو أقل من ذلك، ما الذي يمنع أن تعمل السبت والأحد وبعضهن الأحد والإثنين، وبعضهن الثلاثاء والأربعاء، يعني: أن تعمل الفتاة في التعليم -مثلاً- يومين في الأسبوع بنصف المرتب، ولا غضاضة في ذلك ولا حرج، ففي هذا تفريغ للمرأة ذاتها حينما تعمل لأحوال أولادها فلا تنشغل عن زوجها وأولادها، وفي نفس الوقت فتح مجالٍ للمحتاجات والراغبات في هذا العمل، وتكون مشاركة المرأة مشاركة حينما نحتاج إليها لا تشغلها عن مهماتها الأصلية.

لقد صاح كثيرٌ من دعاة التحرير أو من يسمون بالتقدميين: إن المرأة ذلك الجزء المعطل من المجتمع، تلك الرئة المعطلة، ذلك العنصر الجامد الذي لا يشارك الرجل في مسئولياته ذلك ذلك إلى آخر ما قيل عنها من أجل إقناعها بأنها مظلومة، وإقناعها بأنها مهدرة القيمة، مهدرة القوى والثروة، فحينئذ تخلق لها قضية وليس ثمة قضية، قضية بلا مضمون، امرأة تريد أن تعمل وتريد أن تتحرر وتريد أن تتفلت -أن تقف أمام الرجل الذي وقف لها عند عتبة بيتها يمنعها من تحقيق ذاتها وممارسة شخصيتها- إلى آخر ما يقولون ويسمون.

وأخطر من هذا كله يوم أن يتحدث أولئك الذين يتحدون المرأة بهذا المضمار حينما يتحدثون عن وظيفتها يقولون: ليس الكلام فقط عن الوظائف التقليدية، وإنما البحث عن آفاق أرحب ومجالات أوسع، وميادين أكثر تجديداً للمرأة، إن عمل المرأة فيما يخدم بنات جنسها بات عملاً تقليدياً، وصدق القائل: إنهم لا يريدون حرية المرأة بل الحاجة عندهم ماسة إلى حرية الوصول إلى المرأة، مهما فتح للمرأة من مجالاتٍ جديدة لاستيعاب تخصصاتها أو أعمالها عند الحاجة إليها فستكون تقليدية وتبقى تقليدية إلى أن تقوم الساعة، حتى يكون المجال في العمل يسمح بالاتصال بين الرجل والمرأة، ويبيح الاختلاط بين الرجل والمرأة، فحينئذٍ ينكسر الطوق التقليدي، وتظهر الحالة الحضارية للعمل.

إذاً: كل عملٍ مهما راعينا فيه احتياجات الأمة والمجتمع فسيظل تقليدياً إلا يوم أن يكون العمل فيه اختلاط سافر واضح صريح، يسمح للرجل أن يكلم المرأة وأن يخالطها، وأن يخلو بها وأن يسرح بها، وأن يذهب بها في أي وقتٍ شاء.

أيها الأحبة: إن عمل المرأة ذلك المجال الذي هو واحدٌ من مجالات التحدي ربما قنع البعض أن في مجتمعنا خاصة من يعدون بنسبة كبيرة أو يمثلون شريحة عريضة يرغبون في هذا، وليس هذا بصحيح، لكن شرذمة قليلة وأقلية مستبدة تتفرد في الزوايا الصحفية وبعض المنابر في المجلات والجرائد لتنشر ما تريد ولا تسمح للآخرين بالمشاركة والمناقشة أو الاعتراض أو التحليل، يظهرون أن كل المجتمع ساخطٌ على هذا الوضع، وأن كل الأسر لا يريدون هذا الوضع الحالي.

وكما يقال: الماء يكذب الغطاس، والتجربة أكبر برهان، أجريت دراسة على أربعمائة أسرة سعودية فكانت نتائج الدراسة الإحصائية بعد جمع البيانات وتحليلها أن (٧٢%) لا يؤيدون عمل المرأة خارج المنزل، (٩٥%) لا يؤيدون عمل المرأة إذا كان دخل الزوج كافياً، إذاً من الذي يطالب بعمل المرأة؟ هم الرجال، أما النساء فلم يرفعن راية يصحن فيها للعمل، والنساء اللائي طالبن بهذا العمل هن أقلية أقل من قليلة، وأندر من نادرة، وأخف من شرذمة، هي التي تدعو إلى عمل المرأة في كل مجالٍ وكل قطاعٍ وفي كل مناسبة، وتقول التجارب: إن الأطفال الذين يعيشون في الأسر يتمتعون بتأثرٍ واستجابةٍ عميقة في هذه الأسر أكثر من غيرهم الذين يعيشون تحت تربية الخادمات والمربيات.

وتقول التجارب أيضاً: إن الطفل لا يخضع لسلطان جماعته كخضوعه لسلطان أسرته.

وتقول التجارب أيضاً: كل طفلٍ يعيش في أسرة منظمة مرتبة فإن هذا الطفل من السهل تشكيله ومن السهل تربيته وإقناعه.

وإنكم لتجدون مصداق هذا أيها الأحبة، إن بعض المجتمعات أو بعض الدول لها منهجها التعليمي، ومن فئات هذا المجتمع فئات تخالف المنهج العام في معتقدها وفي تعليمها وأفكارها وفي توجهها وآمالها، ومع ذلك تجد أن الطفل من تلك الأسرة المخالفة للمجتمع كله يدرس في المدارس والمؤسسات التعليمية في المجتمع فلا يتغير عنده ذرة من أفكاره وثوابته، لماذا؟ لأنه يعيش في أسرة كل صباح تعطيه درساً في معتقده، وكل مساء تغسل دماغه عما تعلم، إذاً: فالأسرة أخطر مؤسسة سواء كانت تعليمية أو اجتماعية أو تربوية أو غيرها، فلا تصدق ما يقول أولئك: إنه بالإمكان تشغيل الخادمة أو الاستفادة منها، وإسناد المهمات التقليدية كالتعليم أو التربية إليها.