للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أسباب الهروب من الكلام عن حقوق ولاة الأمر]

ليس من الصواب أن نطرح القضايا والأمور الصغيرة بكل وضوح وحماس وجرأة، ثم نغفل أو ننسى الحديث عن هذه القضية الكبيرة والمهمة والخطيرة، فهذا الموضوع نادر ما يطرح، والسبب في نظري: لا يعود إلى نزاع فيه أو تشكيك، فهو مسألة محسومة بل هي من أصول الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة، وإنما السبب هو الهيبة من طرح هذا الأمر، والنظر إلى كبار العلماء أن يطرحوه وحدهم دون غيرهم؛ ليؤكدوا على أهميته حتى لا تصبح هذه القضية على لسان كل مرشد أو واعظ قد لا يحسن عرضها أو دفع الشبهات الواردة حولها، ولكن لما انتقلت عدوى مناهج التكفير والخوارج بات لزاماً على كل داعية يأنس في نفسه القدرة والبيان أن يطرح هذا الأمر حسبة وقربة وعبادة لله، مع عدم اتهام الآخرين بالسوء لأنهم لم يطرحوه؛ لأن العبرة في طرحه بالقدرة عليه؛ ولأنه ليس من الأصل أن يمتحن الناس فيه كما قلت آنفاً.

أما الذين يتهمون إخوانهم ممن يطرحون هذا الأمر بالرجعية أو المداهنة أو النفاق والتزلف، فنقول لهؤلاء: إن كنتم تجهلون هذا الأمر ومنزلته من الدين فتعلّموا، وإن كنتم ترون ضد ذلك؛ فإلى الله نبرأ مما تقولون، وإن كنتم ترون هذا الأمر لكن لا تحبون الحديث فيه؛ فهذا هو الهوى {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ} [القصص:٥٠] وإلا فبمَ نفسر كراهية الحديث عن هذا الأمر مع الإيمان والإقرار به؟ لا نفسر كراهية الحديث حول هذا الموضوع إلا بالهوى، وصاحب الهوى في مثل هذه الحال لا يرد النصوص الثابتة في هذا الأمر حتى نقول: إنه من المكفرين الذين لا يرون هذه المسألة، لكنه لا يستجيب لمقتضى هذه النصوص ولا يحب الحديث حولها، فهو كمن لا يشك في نسبته إلى والده لكن لا يريد أن يلتزم بحقوق والده عليه، فلم يبق لهذا تفسير إلا الهوى الذي حذر الله عز وجل منه.