للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[واجب البذل والعطاء والإنفاق]

الأمر الثاني: مسألة البذل والإنفاق والعطاء، لا تملوا، أو يقول قائل: لقد سئمنا من هذه الصيحات والنداءات: أغيثونا! أعطونا! ساعدونا! إلى غير ذلك، نقول: إن هذا ابتلاء من الله لأولئك الذين يصابون، وهو في ذات الوقت ابتلاء لنا، ما الذي نفعله إزاء هذه المصيبة؟ وهل نبخل حتى بحفنة من حطام المال ولا نبذلها سخية بها نفوسنا؟ لئن ابتلي أولئك بجريان الدماء، وتطاير الأشلاء، وانتهاك الأعراض فإننا نبتلى بتكرار ما يقع على المسلمين من المصائب، وبعض المسلمين مسحة طبية صالحة للاستعمال لمرة واحدة فقط، لا يمكن إلا أن يبذل مرة واحدة، ولا يمكن أن يكفل إلا مرة واحدة، ولا يمكن أن يتعاطف إلا مرة واحدة، أما أن يظل الحماس والولاء والشعور والبذل والعطاء بسخاء للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وفي شتى قضاياهم فذلك أمر عسير، بل إن بعضهم الآن إذا قيل له: أنفق وابذل وأعط لإخوانك المشردين الآن على حدود كوسوفا، في ألبانيا، ومقدونيا، وفي جهات شتى قال: لقد أعطينا ما يكفي في البوسنة، أو لقد أعطينا ما يكفي في أفغانستان، أو لقد تصدقنا بما يكفي في الصومال، وكأنه لا يجب عليه أن يغيث المسلمين في العمر إلا مرة، وكأن الولاء والنخوة والإعانة كالحج لا تجب في العمر إلا مرة، فهو يرى أنه إذا كفل في حياته مرة واحدة يتيماً واحداً اكتفى بذلك، أو إذا بذل أو أعطى مرة واحدة فإن ذلك كاف.

أيها الأحبة! إن من الواجب أن نشارك كل المسلمين في فلسطين وكوسوفا والشيشان وفي كل البقاع بكل ما نستطيعه، ولا أقل من أن يخصص القادرون من دخلهم ولو حفنة يسيرة من المال، دخلك ألف ريال لو خصصت من هذا الدخل ولو عشرة في المائة يعني مائة ريال أو أقل أو أكثر بقدر ما تستطيع فإنك ستجد فضل ذلك في الدنيا والآخرة، والصدقة تقي مصارع السوء، وتطفئ غضب الرب، وتدفع أبواباً من البلاء لا تحصى.

أيها الأحبة! إننا نمشي في حياتنا على ألوانٍ من النكد والكبد: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:٤] وربما صار البعض على ألغام وشيكة الانفجار قد يطؤها فلا تنفجر بسبب صدقة تصدقها وهو لا يدري، فأخي الحبيب! لا تتبرم، ولا تتسخط ولا تتضجر يوم أن تدعى إلى النداء: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:٣٨].