للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب المهر على الزوج]

ويترتب على النكاح آثارٌ كثيرة منها: وجوب المهر فلا بد أن يسمى في العقد، وهذا أفضل حتى لا يطول النزاع بين الزوجين في حالة طلب الفسخ والخلع، ويقال: زوجتك فلانة على مهر قدره عشرة آلاف ريال أو عشرين ألف ريال فهذا طيب، لكن للأسف بعض الناس ما أسهل الدخول معهم، وما أشد وأعسر التخارج والخروج منهم، في الدخول كم المهر؟ ريال وشيمة رجال، طيب يا أخي كم المهر؟ ريال وشيمة رجال، تمر سنة وسنتان فيقع بينهم مشكلة كم المهر؟ والله مهر بنتنا مائة ألف ريال أين شيمة الرجال؟ وأين الكلام الأول؟ وأين الريال؟ وأين السوالف؟ كلها ذهبت لأنهم في البداية لم يحددوا ذلك.

على أية حال إذا اختلف في مهر من لم يسم مهرها ولم يحدد فالمرجع في ذلك إلى مهر المثل، بأن ينظر إلى أمثالها من النساء كم مهرها؟ فإن كان مهر مثلها عشرين ألفاً فيعطى لهذه المرأة قدره عشرون ألف ريال من غير مغالاة ولا بخس، أما أن تبخس أو يغالى في ذلك فلا يجوز، وهذه قاعدة في تحديد ما لم يسم عند التعاقد، لو استأجرت أحداً يبني هذا الجدار، فبنى الجدار وانتهى، ثم قال لك: أعطني أجرتي ألف ريال، قلت له: أجرتك خمسمائة، نحن ما اتفقنا على ألف، وقال هو: نحن ما اتفقنا على خمسمائة، فالمرجع في ذلك إلى أجرة المثل في البناء، كذلك الزواج إذا لم نتفق على المهر فالعبرة بمهر المثل، وقس على ذلك سائر العقود حينما لا يسمى العوض في العقد فالعبرة فيه بسعر المثل.

ومما ينبغي أن نعلمه أن المهر حق للمرأة، خلافاً لما يفعله بعض الآباء هداهم الله، يضع المهر في جيبه ثم يقول: هذا المهر لي أنا، وأنت صلح زوجتك ودبرها، ثم يبدأ هذا المسكين من جديد لينفق فوق ما أنفق على إعداد البيت وتهيئته، لينفق عليها من جديد في اللباس والطيب والذهب والحلي، وأين المهر؟ ذهب المهر للأب الجشع الطماع ولا حول ولا قوة إلا بالله! فالله عز وجل قد أضاف الصداق إلى النساء إضافة تمليك فقال: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء:٤] فأضاف الصداق إلى المرأة، فلا يجوز لأحد أن يأخذ مهرها كما قال تعالى في سورة النساء: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} [النساء:٤] لنعلم أن الصداق هو من حق الزوج.

أتى هذا الشاب بخمسين ألفاً وقد استدان من الشركات سيارات بالتقسيط، وفعل الأفاعيل حتى يحصن نفسه، ثم بعد ذلك تحفر له خندقاً من الدين والعسر والضيق لا يخرج منه، بل لو كان الولي عاقلاً لأعان زوج بنته، إن من العقلاء من يختار الزوج ويعطيه المهر ويعينه ويحرص على ما يحقق سعادته؛ لأنه يعلم أن ذلك ينعكس على سعادة ابنته معه، أما ما يفعله بعض الجشعين الطماعين فلا يبالي، يقول: ليس من شأني أن يكون سعيداً معها، وإن شاء الله يأتي زوج ثاني ويأتي الله برزق، فهو مستعد أن يمارس العملية مرات ومرات، المرة الأولى: استفاد من هذا سيارة، والمرة الثانية: استفاد من هذا أربع رشاشات، والمرة الخامسة: أخذ من هذا مضاد طائرات، والسابعة: أخذ من هذا مدفعية ميدان خمسة وسبعين، وهلم جراً، يعني: ما عنده مانع أن تطلق مرتين وثلاث؛ لأنه يعلم أنه في كل عقد سوف يبتز الزوج بشيء يخص به، وينحل له وحده دون هذه الفتاة المسكينة، ومن هنا نؤكد على مسألة التحذير من المغالاة في المهور؛ فإنه أمر خطير؛ ويسبب حرمان الفتيان والفتيات من الزواج، كم من الفتيات تود أن تتزوج ولو على ألف ريال، ولكن تكبر أهليها أو غطرستهم، أو نظرتهم إلى الناس باحتقار ودون، منعت من أن يبلغ إليهن الخاطبون والراغبون، وظلت الفتيات محرومات، بل إن بعض الفتيات لما وجدت الزوج الصالح وهي موظفة أرسلت مع ثقة من الثقاة مالاً جمعته من راتبها وقالت: خذ وأعطه هذا المال وقل له: يقدمه مهراً لوالدي، وفيما بعد نحن نتفق على التقسيط والتسديد، وربما تتنازل دفعة واحدة إن صلحت الحال بينهما، إذاً ينبغي أن نحذر من ذلك.

فقلنا: يترتب على النكاح -أيها الأحبة- آثار منها المهر الذي يسميه العوام الجهاز أو الصداق، وكما قلنا ينبغي عدم المغالاة في المهور لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (خير النكاح أيسره) رواه أبو داود، ومعناه: أقله مؤنة وأسهله؛ لأن التكلف في المهر من أسباب شقاء الزوجين، فشقاء الزوجين في سداد ما جمع من المهر إن كان استدانة، أو استكثاره ما بذل على المرأة، ومن ثم عدم تسامحه ولطفه، وعدم رحمته بالمرأة يجعله يريد منها أن تسدد بكل ذل وخضوع وانكسار لهذا الزوج ما بذله من المال، وكأنه اشتراها، والمهر هو نحلة وهدية وعطاء وليس قيمة للمرأة، يظن البعض أن المهر هو السعر للمرأة، فإذا قيل لبعضهم: والله زوجت ابنتك على صداق كم مقداره؟ قال: والله زوجت ابنتي على عشرة آلاف يقول: أترضى أن تكون قد بعت ابنتك بعشرة آلاف؟ من الذي قال: إن المهر سعر البيع؟ لا المهر بطاقة جمركية، ولا سعر البيع، ولا سعر الجملة، هو شيء من المال للاستمتاع بالمرأة، وما تحتاج إليه في تجهيز نفسها، لكن لا يظن أن هذا المهر في الحقيقة هو قيمة أو عوضٌ عن نفسها.

وتصاعدت المهور، ومغالاة الناس في المهور في هذا الوقت كما قلت من الأسباب التي عطلت الزواج، وعطلت شئون النكاح، والواجب على الجميع أن يتناصحوا في ذلك، وإن ما نراه من تأخر زواج الفتيات والشباب، ووقوع كثير من الشباب في الفواحش والمنكرات، في تغطية وتلبية حاجات النفس البشرية، والغريزة الفطرية، هو المغالاة في المهور ولا حول ولا قوة إلا بالله!