للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحملات الإعلامية التي تعظم أعداء الله]

الأمر الآخر من أسباب الوهن: الحملات الإعلامية المسعورة التي صنعت من الكفار أبطالاً لا يقهرون أبداً، وصنعت من أسلحة الأعداء سلاحاً لا يرده حتى قدر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله! نعم.

أصبح المسلمون يتعلقون بمقدار ما يملكون من القوة والعدد والعتاد، لا أقول هذا على مستوى عامتهم، بل أقول على مستوى البعض، حتى لا نعمم بشؤم القول، عند ذلك يدل هذا على أن حملة إعلامية وجهت للإعلام المعادي للأمة الإسلامية غرست في قلوبنا أن أعداءنا قوة لا تقهر، وأن سلاحهم مدمر لا يمكن أن يرد أبداً.

ولو كانت العقيدة حاضرة موجودة غير غائبة؛ لعلمنا أن الدعاء يرد مختلف الأسلحة وأدوات التدمير الشامل، لكن لما استحكمت الذنوب والمعاصي في النفوس ووافقت:

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا

وافقت فراغاً وغيبة من حقائق العقيدة وتأملها، أصبحنا نظن أن بوسع أعدائنا أن يهلكونا في أي وقت يشاءون، ونسينا قول الله جل وعلا: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} [المائدة:٥٢] ليس من شرط هلكة الأعداء أن تنتهي أسلحتهم كما يظن أكثر البشر أن العدو لا يهلك إلا إذا انتهت أسلحته، بل إن الذي خلق البشر قادر على أن يحييهم وأن يهلكهم وأن يرفعهم، وأن يذلهم ويدمرهم، وقادر على أن يبقيهم، وأن يقلبهم ويخلف أحوالهم: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} [المائدة:٥٢].

هذا الأمر لا تعلمونه أنتم ولا أعلمه أنا ولا يعلمه حتى العلماء، عندما تتعلقون بالله يأتي ذلك الأمر.

يوم أن استحكمت هذه الحملة الإعلامية المسعورة من أعدائنا أصبحنا أكثر ضعفاً إلى جانب الضعف الذي بلغناه بما وقعنا فيه من الذنوب والمعاصي، والمصيبة فيما نسمعه من الصواريخ عابرات القارات، ومن أسلحة التدمير الشامل، والرءوس النووية، وتطوير صواريخ أسكود برءوس نووية كيماوية إلى غير ذلك من الحرب النفسية التي تجعل الإنسان حينما يسمع ذلك، يفتح صندوقه ويخرج بندقية صيد ويقول: هل هذه ترد صاروخ أسكود؟ هل هذه ترد أسلحة التدمير الشامل؟ هل هذه ترد؟ فمن شدة الحملة الشعواء على النفسية المسلمة أصبح الإنسان يقارن كلما وصل إليه الأعداء بمجرد ذاته ولا ينظر إلى قوة الله، التي ينبغي أن يتعلق بها، وبهذا استحكم في المسلمين داء عضال ألا وهو الهزيمة النفسية، والله كنا قديماً يوم أن نجلس ونتحدث ونقول: نسأل الله أن يأتي اليوم الذي يجعل شياطين الكفر أسرى في أيدي المسلمين، نسأل الله أن يأتي ذلك اليوم الذي يجعل عمالقة الإلحاد والضلالة أسرى وعبيداً للمسلمين، فيضحك أحدهم ويقول: هذا المجنون لا يملك إلا أربعمائة دبابة ويقول: نقاتل إسرائيل ونقاتل ونقاتل وغير ذلك.

نعم.

لأنه لا ينظر إلا إلى سلاح وسلاح، وبشر وبشر، وقوة بشرية بحتة أمام قوة بشرية بحتة، ولا ينظر إلى قوة الله جل وعلا.

بهذه الهجمة التي تسلطت على نفسية المسلمين، أحدثت الهزيمة والإحباط رغم الخطب والندوات والمحاضرات والكلمات واللقاءات.

يا أمة الإسلام! يا أمة العقيدة! القوة فيكِ، فالقرآن بين يديك، والسنة عندك، كيف تضعفين؟ صيحات القوة والعزة في نفوس الأمة آخر ما تبلغ، يقول بعض الناس: نعم، نحن أقوياء لكن أقنعوا الأعداء أننا أقوياء.

هزيمة نفسية، ومثال هذا يقال: إن هناك رجلاً مجنوناً وليس مجنوناً جنوناً كاملاً بل عنده عقدة نفسية، يظن أن نفسه حبة شعير.

ولذلك لا يرضى أن يدخل في بيته الدجاج والحمام؛ لأن الدجاج يأكل الشعير، ولا يمكن أن يزور أحداً عنده دجاج أو طيور أو حمام، فأخذوا يعالجونه في مصح نفسي لمدة ثلاث سنوات وبعد نهاية العلاج قابلوه قالوا: لعلك أدركت الآن أنك بشر فشفيت من هذه العقدة النفسية؟ قال: نعم.

الآن اقتنعت أنني بشر، لكن أقنعوا الدجاج والحمام.

هي نفس مصيبة المسلم المعاصر الذي يقول اقتنعت أنني قوي لكن أقنعوا الأعداء أنني قوي، إذا اقتنعت بشيء فليس من شرطه أن يقتنع به من يعاديك، هذه الحملة الإعلامية المسعورة التي جعلت أمة الإسلام تقيس قوتها بالمقاييس البشرية البحتة، فضعفت فيها العزة والقوة التي كتبها لها الله جل وعلا، وذلك بما كسبت أيدينا ويعفو ربنا عن كثير.

ولذلك تلاحظ أن أي حوار بين طرفين طرف أوروبي أو غربي وطرف شرقي، تجد الطرف الغربي أو الأوروبي يتحدث معك وأنت تقتنع قبله وتسلم بمعطيات الحديث والنقاش أنك تتحدث مع رجل أقوى منك، في جميع مجالاته، في إعلامه وفي اقتصاده، وفي قوته وفي مختلف إنتاجاته، هذه من أسباب الضعف والوهن الذي حل بأمة المسلمين.