للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ضعف العقيدة في قلوب المسلمين]

أيضاً سبب أستطيع أن أقول هو الأول وليس الثالث، ألا وهو: ضعف تمكن العقيدة في قلوب المسلمين، إذا كنا نقول: إن الوهن كما بينه صلى الله عليه وسلم هو حب الدنيا وكراهية الموت، فإن المسلم الذي يتعلق قلبه بالدنيا ويكره الموت، هذا مسلم قد غاب عن نفسه أو عن فكره أن الذي يميت هو الله، وأن الذي يحيي هو الله، وأن الذي يقسم العمر هو الله، وليست الدبابة أو الطائرة أو المدفع هي التي تقتلنا، وليست الرشاشات ولا المدافع ولا أسلحة التدمير الشامل أو الغازات الكيماوية هي التي تقتلنا، وإنما يقتلنا الأجل بأمر الله {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:٣٤].

إن نام عنك فكل طب نافع أو لم ينم فالطب من أذنابه

أخطر حالة حينما يكون الأجل مندفعاً عنها، قد تشفى بغير سبب، وقد تشفى بأدنى علاج، وإذا حضر الأجل ولو لم تكن مريضاً انقطع النفس وانتهت الحياة فوراً.

إذاً أيها الأحبة! لنعلم أن الذي يقتلنا هو الأجل، وليس الذي يقتلنا هو العدو أو السلاح، وأما ما خوفت به أمة الإسلام في هذا الزمان خاصة هذه الأيام.

ويخوفونك بالذين من دونه، وما من سلاح وصلت إليه علوم الحرب، وتقنية الحروب إلا وجرب في أفغانستان، ومع ذلك ما ضر ذلك الشعب ما جمع وألب حوله وضده، أطلقت غازات كيماوية على المجاهدين بـ أفغانستان، يأتي المجاهد الأفغاني البسيط ويبل البطانية ويلفها هكذا ويحمل الرشاش، ويمر بين الغاز حتى يصل إلى الجبهة التي يريد أن يقاتل فيها، لماذا لا يموت هذا الأفغاني؟ لأن أجله لم يحضر، أحد الشباب يخبرني عن رجل من المجاهدين من جزر القمر اسمه أبو زيد القمري، يقول: كان في منطقة من مناطق الجهاد وهي منطقة مكشوفة، والمنطقة المكشوفة تكون نسبة التحرك والحرية فيها صعبة جداً قال: فكان يأتي في الليل ويحفر خندقاً برميلياً -يحفر في الأرض ما يكفي بأن يوضع فيه برميل أو ما يشبه حجم برميل- ويجمع فيه قذائف الآر بي جي التي هي مضادات الدبابات، ويضعها في هذا الخندق، ويقف على ممر طريق الدبابات فإذا دنت الدبابة خرج وقد ركب قذيفة الآر بي جي وأخذ يضرب بها، ويحلفون بالله أن الدبابة تضرب باتجاهه، فتذهب القذائف يميناً ويساراً؛ لأنه لم يحضر أجله، ولذلك لا تصيبه القذيفة، ويبعدها الله عنه، أهذا ضعفٌ في تحديد الهدف بالنسبة لجهاز الرادار في الدبابة؟ لا.

جهاز الرادار يضع الهدف في وسط الصليب، ثم اضرب وإن كنت ملتفتاً يميناً أو شمالاً.

يقول: ذات يوم خرج أبو زيد القمري وإذ بدبابتين، فضرب الأولى، واحتاج وقتاً ثانياً لكي يركب القذيفة، وإذ بالدبابة الثانية توجه فوهتها إلى صدره وبطنه، -أتظننه رجع إلى برميله وخندقه؟ لا.

وإنما أخذ يتلو كلام الله جل وعلا: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:١٧]- فضربت الدبابة الضربة الأولى وإذ بها تمر من جواره ولم تصب منه شيئاً، ثم ركب قذيفة الآر بي جي ووجهها على برج الدبابة، فإذا بالدبابة تتفجر وقائدها يموت، لماذا؟ -هذا مثال بسيط عما يحدث لإخواننا في أفغانستان - لأن الآجال هي التي تقتل وليس الدبابة أو الطائرة أو القنابل العنقودية أو قنابل النابالم، أو غير ذلك.

والله إنه لا يقتلك إلا أجلك، فإذا حضر الأجل عند ذلك لو اجتمع أطباء الأرض والسماء، والجن والإنس، وكان بعضهم لبعض ظهيراً، ما استطاعوا أن يؤخروا من أجلك لحظة، لما حضرت شاه إيران الوفاة، حضر ستة وثلاثون طبيباً استشارياً وأحضروا مجموعة من الأجهزة والمغذيات، وأجهزة تنشيط ضربات القلب، وفي هذه الفوضى من الآراء والخلافات والأسباب والإسعافات يأتيه ملك الموت، فيقبض روح هذا الهالك ويدعهم على جثته يختلفون.

إذاً يا أحباب: حينما تغيب هذه المعالم من نفوس الأمة المسلمة عند ذلك يخشون الموت.

الكافر يحب الحياة حباً عظيماً، وهو مستعد أن يتنازل عن كل شيء حتى عن كرامته وعرضه، وعن دينه إن كان له دين أو عقيدة في سبيل أن يبقى حياً، أما المسلم فلا، لأن الله جل وعلا علم أمة الإسلام {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان:٣٤] لماذا أتنازل في لحظة قد تكون لحظة الحياة وليست لحظة الموت، حينما يقف المسلم في مواجهة مع الكافر مواجهة عسكرية ينبغي للمسلم أن يعلم أن هذه المواجهة ليست هي الموت، إنما هي موقف من المواقف التي أمر الله أن نقف فيها {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:٦٠] من مواقف الإعداد والمواجهة والمقابلة، فإذا كان المسلم لا يهاب الموت ويعلم أن الموت بيد الله، ويعلم قول الله جل وعلا في شأن أولئك المنافقين الذين ثبطوا وأرجفوا وقالوا في قتلى أحد: {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} [آل عمران:١٦٨] كان المنافقون يقولون: لا داعي لأن نخرج لمواجهة الكفار خارج المدينة، والمتحمسون من الصحابة والمجاهدين يقولون: نخرج لملاقاة الأعداء، فكتب الله ما كتب، يقول الله جل وعلا مقرعاً وموبخاً أولئك المنافقين: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران:١٥٤] أي إنسان تكتب له الوفاة، فإنه حتى ولو كان نائماً في بيته فإنه يخرج إلى مصرعه ومكان مهلكه في المعركة فيقف فيه، فتأتي قذيفته أو تأتيه الرصاصة أو الضربة التي تميته، ويوم أن غاب هذا المعلم عن نفوس المسلمين تعلقوا بالدنيا، وظنوا أن بالتعلق فيها الحياة، وخافوا من المواجهة، ومن الجهاد ومن الحرب، وظنوا أن في هذا الموت وليس هذا بصحيح أبداً، فليس الجبناء أطول الناس عمراً، وليس الشجعان أقل الناس عمراً.

ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أعقابنا تقطر الدما

ترددت استبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياةً مثل أن أتقدما

قال خالد بن الوليد لما حضرته الوفاة: [والله ما تخلفت عن معركة أو غزوة أو سرية بعد أن آمنت، والله ما في بدني هذا موضع شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، وها أنا أموت على فراشي كما يموت البعير، ألا لا نامت أعين الجبناء] لو كان الإقدام والحرب والمعارك هي التي تأتي بالموت، لمات أول الناس خالد بن الوليد؛ لأنه كان أشجع القوم.

فيا أحبتنا! حينما غاب هذا المعلم عن نفوس المسلمين تعلقوا بالدنيا وخافوا من الموت، فأصابهم الوهن الذي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: (حب الدنيا وكراهية الموت).

وماذا عن حب الدنيا -التعلق بالمال- نظن أن الجبن والخوف هو الذي يجعلنا نحافظ على ممتلكاتنا وأموالنا، انظروا على سبيل المثال ما حل بإخواننا في الكويت، أسأل الله أن يعجل عودتهم أعزاء مكرمين إلى بلادهم، ليست الحروب والمواجهات، وليست الشجاعة والإقدام هي التي تجعل المال أو الثروة تهلك، قد يكون هلاك المال والثروة بتسلط عدو خارجي، فجاءوا إلى الأموال وأخذوها من صناديقها وخزائنها ومخازنها.

إذاً: لم يكن هذا البعد ولم يكن ذلك التأخر سبباً في الحفاظ على الثروة والمال، إنما لما كتب الله ما كتب وقعت الواقعة جملة واحدة، وإذا أراد الله أن يتم أمراً سلب ذوي العقول عقولهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

يوم أن غابت هذه المعالم وهي أن الرزق والأجل (حب الدنيا وكراهية الموت) - بيد الله وأنها بأمر الله، ولا يقسم منها شيء إلا الله (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).

فيا أيها الأحبة! يوم أن غابت نفوسنا عن هذا الأمر أصبح الوهن متحكماً في نفوسنا.