للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العبادة هي الغاية من الخلق]

أيها الشاب أسألك بالله: خلق الله في عينك آلاف الأجهزة من الشبكية والقرنية والبؤبؤ والحدقة والرمش والعدسة والعصب الذي يوصل الصورة إلى المخ مئات الأجهزة في جارحة واحدة، هل خلقت لك هذه لكي تنظر بها إلى الأفلام والمسلسلات؟ صدرك هذا فيه من الأجهزة التنفسية المعقدة التركيب من الرئة والشعيبات الهوائية وما يتصل بها من الشعيرات الدموية، ودونها الجهاز الهضمي وما يتعلق به من المفرزات والمهضمات والمتجاوزات والتي ترفض والتي تقبل والتي تدفع والتي تنفع بإذن الله جل وعلا، في كل قطعة من بدنك أجهزة معقدة، أتظنون أن الله خلق هذه عبثاً؟! أتظنون أن الله خلقها لتكون سدى؟! {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:١١٥] {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [القيامة:٣٦ - ٣٩] ألم تك نطفة؟ ألم تك علقة؟ ألم تك مضغة؟! ثم صورك الله وزينك وجملك وجعلك في أحسن تقويم، أكل هذا من أجل أن تكون ببغاء تقلد ما يردده الأعداء، أو قرداً يردد ما يفعله الماجنون والفاسقون؟ لا والله ما خلقنا لهذا، يقول الله جل وعلا: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦].

الهدف الذي من أجله وجدنا لا يحتاج إلى كثير فلسفة.

اسأل جدتك وجدك: لماذا خلقنا؟ يقولون لك: خلقنا لطاعة الله جل وعلا، والدليل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦].

يقولون: إن عجوزاً من العجائز كانت في الطريق، فمر رجل ومعه كوكبة من الرجال، فقالت: من هذا؟ قالوا: ألا تعريفنه! هذا هو الرازي الذي أوجد مائة دليل على وجود الله، فقالت العجوز: أخبروه أن عنده مائة شك في وجود الله، فلما بلغه الكلام قال: صدقت.

نهاية إقدام العقول عقال وآخر سعي العالمين ضلال

وأرواحنا في وحشة من جسومنا وغاية مسعانا أذى ووبال

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

عجوز تعرف دلائل الوحدانية بأبسط أدوات ووسائل الفطرة.

ورجل أعرابي لما سمع قارئ يقرأ قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:١ - ٢] صرخ وقال: بعث ورب الكعبة، لا بد للزائر أن يرتحل.

فهكذا القلوب التي صفت بفطرة نقية وسلمت من المؤثرات الخارجية؛ أصبحت قادرة على استنباط حقائق الكون.

يقول الشيخ الزنداني حفظه الله -وهو أستاذ كبير في علم وظائف الأعضاء-: سألت هذا البروفيسور فقلت له: هل يوجد من خلال دراستك وتجاربك المعملية وتشريحك لجسم الإنسان هل وجدتم في الإنسان جزءاً وجد عبثاً؟ قال: لا، كلما شرحنا هذا الإنسان، وأجرينا عليه التجارب، وبحثنا فيه؛ وجدنا اكتشافات جديدة، ووجدنا أن لكل جزء ونقطة وعرق وذرة في جسم هذا الإنسان وجدنا لها وظيفة.

قال الشيخ الزنداني لهذا البروفيسور الكافر: هل الوظائف التي وجدتموها في جسم الإنسان تعمل منفصلة أم مترابطة؟ أي: هل اليد تعمل بمعزل عن العقل، والعقل يعمل بمعزل عن الهضم، والهضم يعمل بمعزل عن التنفس، والتنفس يعمل بمعزل عن الحركة؟ قال: لا، الثابت في علم وظائف الأعضاء أن الإنسان كل عضو وجد فيه وكل جارحة وجدت فيه لها مهمة ولها وظيفة، وكل وظيفة مرتبطة بوظيفة العضو والجزء الآخر.

أي: لا يمكن أن تقول: إن هذه تعمل بمعزل عن الأخرى.

يقول الشيخ الزنداني: هذا كلام جميل، إذاً: هذه الأنملة لها وظيفة ووظيفتها مرتبطة باليد، واليد لها وظيفة ومرتبطة بالجسم، وجهاز التنفس له وظيفة ومرتبط بالعقل، والعقل له وظيفة ومرتبط بالبدن، لكل شيء وظيفة.

قال: نعم.

قال الشيخ الزنداني: فما وظيفة هذا الإنسان الطويل العريض بكامل جسمه؟ قال البروفيسور الأبله: لا أدري.

لا دريت ولا تليت إن شاء الله.

أولئك يعرفون أدق الحقائق والمعلومات في ذرة في جسم الإنسان، ولا يعرفون لماذا وجد هذا الإنسان كله.

مثلما قيل: الرجل الذي يشرب الماء بعينه أليس مجنوناً؟ قلنا: قلنا: بلى؛ لأنه لا يستخدم العين في غير ما خلقت له.

والرجل الذي يشم الطيب بركبته أليس مجنوناً؟ بلى؛ لأنه يستخدم عضواً للشم أصلاً.

إذاً: مجنون من استخدم جارحة لغير ما خلقت له، فما بالك بمن استخدم الجسم كله في غير ما خلق الله، أليس هذا سيد المجانين؟ بلى والله، ولكن جنون الناس في هذا الزمان يسمى بجنون العقلاء، تجد أقواماً يسمون عقلاء وتصرفاتهم تصرفات المجانين.