للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ماذا قدمت للإسلام أيها الشاب]

أيها الشاب أعود فأقول: ماذا قدمت للإسلام؟ كل واحد يسأل نفسه: ماذا قدمتُ للإسلام؟ ماذا قدمت لهذا الدين؟ هذا الدين الذي لا أحد يشك أن الخيرات التي امتلأت بها الأسواق ببركة الدين، وأن الأمن والطمأنينة والنوم الهادئ الوادع الهنيء في الليل لا يكدره فزع ولا لصوص ولا عصابات المافيا ولا الألوية الحمراء ببركة هذا الدين، هذه الخيرات التي تتابعت عليك ببركة هذا الدين، فماذا قدمتَ لهذا الدين؟! أيها الشاب: هل أنت ممن يستهلكون ولا ينتجون؟ أيها الشاب: هل أنت ممن شابهوا البهائم فلا ينفع إلا نفسه فقط، شحيحاً بخيلاً لا يود ولا يتمنى أن ينفع أحداً أبداً؟ أيها الشاب: هل خططت يوماً لكي تعرف ما هي مراحلك في الحياة؟ لو قلنا لشركة من الشركات: تفضلي وابنِ لنا هذا المشروع؟ لقالت الشركة: مما يتكون هذا البناء؟ سوف ننفذه خلال خمس سنوات، في السنة الأولى نبني الطابق الأول والمرافق، وفي السنة الثانية نبني فيها الطوابق الأخرى، وفي السنة الثالثة نعد المكيفات، وفي السنة الرابعة نعد الصيانة وما يلزم، وفي السنة الخامسة نفرشه ويكون جاهزاً للاستعمال.

فنحن نقول أيها الشاب: بعد أن نسألك ماذا قدمت للإسلام؟ ما هي خطتك للوصول إلى جنة الله جل وعلا؟ كل هذه أسئلة شبابنا في غفلة عنها، لأنهم تعودوا الخير ونشأوا عليه وترعرعوا فيه، استظلوا بسماء الأمن وعاشوا على أرض الطمأنينة، وظنوا أن الأمر هكذا، لا، الله جل وعلا قد ربط الخيرات بالطاعة والأمن الرخاء بالإيمان: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:٨٢].

الخير الذي نحن فيه -يا شباب الإسلام- إذا أردتم أن تتقلبوا فيه، وأردتم أولادكم وبناتكم الصغار يستمروا عليه لا بد أن نحفظه بالدين.

أليس فيكم يا إخوان من يتذكر قول الله جل وعلا: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [النساء:٩]؟ والله إن الإنسان ليجلس أحياناً وأطفاله الصغار وبنياته الصغيرات أمام عينيه ثم يقول: يا رب! ماذا سيكون لهؤلاء الأطفال بعد أربعين سنة أو خمسين سنة أو أقل أو أكثر من ذلك؟ إذا أردت أن تضمن مستقبلاً طيباً مليئاً بالأمن والهدوء، ويستمر ويمتد ظله إلى هؤلاء الأطفال الذين تراهم أمامك: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ} [النساء:٩] ماذا نفعل: نسجلهم في الضمان الاجتماعي؟ نضع لهم مساهمات في البنك؟ {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [النساء:٩] عليك بالقول السديد واتق الله جل وعلا، وراقب الله في كل ما تأتي وتذر، وأبشر بأن الله سيتكفل بهؤلاء.

ألا تعرفون قصة موسى مع الخضر لما ركب السفينة معه ثم قال: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} [الكهف:٦٧] إلى آخر القصة {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً * قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف:٧٧ - ٧٨] ولما سأله وبين له التفصيل قال: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا} [الكهف:٨٢] ثم ماذا؟ {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً} [الكهف:٨٢] فصلاحكم أنتم يضمن السعادة والحياة الطيبة الوارفة الظلال، الهنيئة في المطعم والمشرب والملبس لأولادكم وبناتكم، ومَن سره أن يتكفل الله بذريته فعليه أن يصلح ما بينه وبين الله أولاً.

أيها الشاب: ماذا أعددت لنفسك وماذا أعددت لذريتك؟ يا شباب الإسلام! هل ننتظر أن نكون كالغنم إذا ولدت، وجدت الخير، ومن ثَمَّ أخذت ترعى، وإذا جاء صافر الشر، كل يهرب ويولي؟ لا، نريد أن نربي رجالاً.

رجالاً رقاق إذا ما الدجى زارنا نَصبنا محاريبنا للحزن

وجند شداد إذا رامنا الـ ـبأس رأى أسدنا لا تهن

نريد أن نكون رجالاً في الأمن، دعاة إلى فرح وابتسامة وسرور، وإذا انتهى الأمر أو جاء الجد، جاءت الحرب أو جاء الخوف وجدت الرجال الذين يقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم.