للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مقدمة عن تلبيس إبليس]

تلبيس إبليس لنا ولكم في أمر الدعوة إلى الله جلَّ وعَلا.

بماذا يلبِّس الشيطان علينا؟ أولاً: ما هو التلبيس؟ التلبيس هو: التخليط، وخلط قليل من الحق -الذي يُراد به الباطل- مع كثير من الباطل الذي يُراد به الضلالة، قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} [آل عمران:٧١] لماذا تخلطون الحق مع الباطل؟! إذاً: إذا عرفنا هذا التلبيس، الذي يأتي الشيطان فيه، فيعرض عليك قليلاً من الحق الذي يريد به الباطل، وقد لبَّسه ثوباً من الباطل.

أرأيت أصحاب المخدرات الذي يأتي أحدهم بمجموعة من الحبوب، أو مجموعة من النباتات الضارة السامة، ثم يلبِّسها بقليل من أوراق الشجر، أو يلبسها بقليل من السكر، فيظن من رآها أنها حلوة، وهي في باطنها سامة قاتلة.

فكذلك تلبيس إبليس، يلبِّس عليك كثيراً من الباطل بطبقة شفافة رقيقة من الحق الذي أراد به الباطل، ومن ثَمَّ تنصرف عن الدعوة، وتخاف من الدعوة، ويُصيبك الجبن، ويقتلك الذعر، ويصيبك الهلع، ويقيدك الجزع، فترى الخير ولا تدعو إليه، وترى المعروف ولا تشارك فيه، وترى المنكر ولا تنكره؛ لأن الشيطان لبَّس عليك، قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة:٢٦٨] تلبيس من؟ إنه تلبيس إبليس.

من هو إبليس؟ إبليس هو: الشيطان الذي قال الله فيه: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:٦].

الشيطان الذي نهانا الله عن وسوسته وخطواته، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة:١٦٨].

الشيطان يلبِّس عليكم، يعِدُكم بالفقر، ويأمركم بالفحشاء، ويخوفكم بالذين من دونه، وإذا همَّ أحدكم بفعل خير، أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، جاء الشيطان يخوِّفه, وهذا من تلبيس إبليس، الشيطان يقعد بك عن كل خير، ويفتح لك باب كل شر.

هل رأيتم يوماً من الأيام رجلاً يُجَرُّ في الشارع بحبل، فنقول: هذا الشيطان يجر فلانََ بن فلان؟! لا.

الشيطان ليس معه حبال يجر بها الناس، والشيطان ليس معه عِصِي يضرب بها الناس، وليس عنده مشانق يشنق بها الناس، والشيطان ليس عنده مسدسات يقتل بها الناس.

لكن شأن الشيطان كما قال الله جلَّ وعَلا: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ} [إبراهيم:٢٢] الشيطان زعيم المجرمين يقف يوم القيامة في جهنم خطيباً يحاضر أولياءه، حزبَ الشيطان، أصحابَ السعير، الذين يدعوهم: {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:٦].

يقف خطيباً ويقول: {إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ} [إبراهيم:٢٢] يعترف بأن الله وعد عداً حقاًَ، كما قال تعالى في سورة الأعراف: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [الأعراف:٤٤].

نعم.

الشيطان يعترف بأن وعد الله حق: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ} [إبراهيم:٢٢] الشيطان يعترف ويقول لجماعته وأتباعه: إني وعدتكم فأخلفتكم.

{وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} [إبراهيم:٢٢] أنا دعوتكم فأتيتم، عرضتُ شريط أغنية فسمعتموه، عرضتُ فيلماً فنظرتم إليه، عرضتُ مجلة فقلَّبتموها واقتنيتموها، عرضتُ أسهماً ربوية فبادرتم إليها وساهمتم فيها {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} [إبراهيم:٢٢] ما عندي عصا أضربكم بها، ما عندي حبال أشنقكم بها {إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ} [إبراهيم:٢٢].

إن أهل الباطل في النار يلعن بعضُهم بعضاً: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ} [فصلت:٢٩] يقول أهل النار: يا رب! أين الذين أضَلُّونا؟! أين دعاة العلمانية؟! أين دعاة الباطل؟! أين دعاة التغريب؟! أين الذين يدعون إلى تبرج المرأة؟! أين الذين دَعَونا إلى اختلاط المرأة في الوظائف والتعليم؟! أين الذين قالوا: إن الربا حلال؟! أين الذين قالوا: إن الملاهي لا حرج فيها؟! أين؟! أين؟! أين؟! {أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ} [فصلت:٢٩] حوار، ومخاصمات وشجار، ولِجاج وكلام، ومناظرات طويلة في النار بين أهل النار {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ} [البقرة:١٦٦ - ١٦٧] وبعد ذلك؟ {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:١٦٧].

هذا شأن أهل الباطل الذين زيَّن لهم الشيطان، ولبَّس عليهم فأطاعوه، وكانوا أعواناً لجنده، وأعوانِ الشيطان من شياطين الجن والإنس.

ويا إخواني يا أحبابي! أخاطب في هذا المسجد المبارك كلَّ واحد فيكم أيَّاً كان عليه ذنبٌ من الذنوب، أو مقصِّراً، أو عابداً، أو تقياً، أو يعلم أن عليه ملاحظات في نفسه، أخاطب كل حبيب من أحبابي، حتى ولو كان عليه علامات التقصير.

أقول: يا أخي الحبيب: إياك أن تجعل الشيطان يحول بين عقلك وقلبك وبين ما أقول لك الآن، صارح نفسك، واسمع الفائدة، واسمع النصيحة، قبل أن يأتي وقت العَتَب، كما يقول الشيطان: {مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} [إبراهيم:٢٢] أي: أنا لا أنقذكم وأنتم لا تنقذونني.